مع
تواصل الهجوم الجوّي الروسي على المعارضة السورية المسلّحة والمدنيّين القاطنين في
مناطقها، ومع تعاظم التدخل البرّي الإيراني واستخدامه المئات من الخبراء
والمستشارين والآلاف من مقاتلي حزب الله اللبناني والميليشيات الشيعية العراقية (والأفغانية
والباكستانية) لدعم جيش الأسد في محاولاته استعادة مناطق خسرها في الأشهر الماضية،
تتسارع الاتصالات الديبلوماسية بين موسكو وواشنطن وبعض العواصم الإقليمية. وتركّز
هذه الاتصالات التي تجهد فرنسا للتأثير في مساراتها على أمرين. الأول، الاتفاق على
الشروع بحلّ سياسي برعاية دولية وإقليمية يُفضي الى وقف العمليات العسكرية بين
النظام والمعارضة، وتركيز الجهود على محاربة "داعش" وتشكيل حكومة ائتلافية
تحضّر لانتخابات ولدستور جديد. والثاني، البحث في مستقبل الأسد ودوره في المرحلة
الانتقالية "المنشودة". بمعنى آخر، تركّز الاتصالات على العودة الى مسار
"جنيف" والسعي في نفس الوقت الى تخطّي التباسات "جنيف" الخاصة
بما سُمّي "مستقبل" الأسد.
تجاه
ذلك، وبناء على بعض ما رشح من معلومات عقب لقاءات فيينا وإعلانها، يمكن تسجيل أربع
ملاحظات على ما يجري.
الملاحظة
الأولى أن القضية السورية ما زالت في اعتبارات الدول الكبرى بعيدة عن التحوّل الى
قضية تخصّ حقوق الشعب السوري، أو "الداخل السوري". وليس استبعاد الأطراف
السورية جميعها عن المشاورات أو الإعلان عن تصوّرات لملامح الحلّ
"المطلوب" من دون سؤال السوريّين رأيهم التجلّي الأبرز لهذا الأمر. فالتجلّي
الفعلي هو الاستمرار في مقاربة الصراع في سوريا على أنه شأن تقنيّ يتطلّب بقاءَ
شخصٍ أو رحيله بمعزل عمّا فعله الشخص المعني وأجهزته الأمنية بملايين السوريّين.
وهو أيضاً حصر القضية السورية بحربٍ على "الإرهاب" تختلف تصنيفاته
ويؤدّي الى زحمة طيران حربي في السماء السورية دون آلية سياسية تُفضي حلّاً سورياً
يتيح مكافحة "الإرهاب" في جذوره وليس في مظاهره فقط.
الملاحظة
الثانية، أن انكفاء الولايات المتّحدة وتردّد الاتّحاد الاوروبي واستيقاظهما
مؤخّراً مع تصاعد قوّة "داعش" وتفاقم مأساة اللاجئين ووصولهم بحراً
وبراً الى أوروبا، وفّرا لروسيا وإيران أكثر من فرصة لمضاعفة تدخّلاتهما، على نحوٍ يُضعف – في ما يتخطّى الحلبة السورية - فلسفة الردع الأميركية التي كانت تكتفي
بالتهديد للحصول على تنازلات. وهذا إن تكرّس لن يبقى ضمن الشرط الجغرافي السوري،
وهو قد يؤسّس لتوازنات جديدة في العلاقات الدولية بِغضّ النظر عن الميل السائد
للمبالغة في تقييمها.
الملاحظة
الثالثة، أن النظام الأسدي الذي لطالما أتقن إخفاء الداخل السوري لصالح الحدود
والاعتبارات الجيوستراتيجية والتحالفات الخارجية لتسهيل سحقه لشعبه وبقائه محور
الاهتمام والاتصالات الدولية الوحيد، تحوّل هو ذاته الى مجرّد أداة تفاوض ومقايضة حتى
من قبل حُماتِه. وإذا صحّ أن بوتين تعهّد للأميركيّين بإخراج الأسد من السلطة
مقابل الحصول على تعهّد بعدم محاكمته، وإذا صحّ أيضاً أن السيناريو الأكثر "تفاؤلاً"
في ما يخصّ بقاءه في مرحلة إنتقالية يتحدّث عن ستة أشهر، يصحّ اعتبار مستقبل الرجل
مرهوناً بما سيتقرّر بغيابه، مودياً به الى المحكمة أو الى المنفى.
الملاحظة
الرابعة، أن سوريا موضعٌ يجسّد اليوم أمراض الكون بأسره: من العنف والتوحش الى
العنصرية والثقافوية والتعصّب الديني فالأنانية وإسقاط القيم الإنسانية العالمية،
وصولاً الى القبول بقوانين "القوة" المنافية للقانون والعدالة.
تجاه
كلّ ذلك، قد يبدو أن لا حيّز كبيراً تحتلّه الإرادوية السياسية للأفراد والجماعات.
وقد يبدو أيضاً أن الكفاح السوري أقرب الى منازلة طواحين الهواء. لكن هذا ليس
صحيحاً تماماً، لا في الميدان العسكري حيث يقاتل سوريّون قتالاً خرافياً لولاه
لكان الروس والإيرانيون (ونظامهم) فارضين شروطهم كاملةً، ولا في الميادين السياسية
والإعلامية والخدماتية حيث ثمة الكثير من المهام ومن الواجبات تجاه القضية السورية
وتجاه نقل أصوات وصور الناس "غير المرئيّين". وفي أي حال، لم تصلح
المقولة الأثيرة "تشاؤم العقل تفاؤل الإرادة" يوماً أكثر ممّا تصلح في
سوريا اليوم.
زياد ماجد