تحلّ في 9
كانون الأول الجاري الذكرى الثانية لاختطاف سميرة الخليل ورزان زيتونة ووائل حمادة وناظم
حمادي من مكان إقامتهم في دوما في غوطة دمشق الشرقية.
يمرّ عامان على غياب أربعة من
أجمل وجوه الثورة السورية وأكثرها نزاهة وصلابة ومصداقية.
سميرة الخليل، الناشطة
السياسية التي أمضت خمس سنوات في سجون الأسد الأب، ولجأت الى الغوطة بعد تحرّرها
من حكم الأسد الإبن لتعمل مع ناسها وتساعد في توثيق معاناتهم مع الحصار والجوع
والقصف؛
رزان زيتونة، المحامية
والكاتبة التي دافعت قبل الثورة بسنوات عن المضطهدين السياسيين من النظام الأسدي
(وبينهم إسلاميّين) والتي عملت بكدّ وكفاءة عالية منذ انطلاق الثورة العام 2011،
إن من خلال لجان التنسيق المحلية التي أسّست مع رفاقها أو من خلال مركز توثيق
الانتهاكات التي أدارت، على تنظيم المظاهرات والاعتصامات ثم على تدوين تفاصيل
الحياة اليومية كما على توثيق انتهاكات حقوق الإنسان وجرائم الحرب والحفاظ على
ذاكرة الضحايا، والتي انتقلت الى دوما من العاصمة دمشق ظنّاً أنها ستكون محميّة في
أرض محرّرة؛
وائل حمادة، شريك رزان في
حياتها وفي النشاط السياسي والحقوقي، الذي اعتُقل وعُذّب لدى المخابرات الجوّية في
دمشق خلال الثورة؛
وناظم حمادي، الشاعر والمحامي
والعامل في مركز توثيق الانتهاكات والمنتقل بدوره للعيش والكتابة في الغوطة بعيداً
عن مخاطر الاعتقال من قبل مخابرات النظام.
يمرّ عامان ولا خبر عنهم ولا
جهد استثنائياً مبذولاً من الوسطاء الخارجيّين ذوي الصِلات والنفوذ في الغوطة للضغط
على المُتّهَمين بخطفهم في دوما، المسؤولين عن الأمن فيها الذين سبق أن هدّدوا
رزان بالقتل: جماعة "جيش الإسلام" بقيادة زهران علّوش، المُحضّر نفسه
لأدوار قيادية وهو صاحب القوّة العسكرية الأكبر على تخوم العاصمة دمشق، المُقنّن
مجهوده الحربي في الصراع مع النظام الأسدي منذ العام 2013 ترقّباً للأدوار
"المستقبلية" تلك.
ما يمكن قوله أو التذكير به
في هذه الذكرى الحزينة الثانية يتمحور حول ثلاثة أمور.
الأوّل، أن خطف رزان وسميرة
ووائل وناظم في منطقة محرّرة من النظام ومحاصرة من قبل قواّته ولا وجود فعلياً
لداعش فيها هو من أكثر الأعمال التي شهدتها سوريا في السنوات الأخيرة جبناً وخِسّة.
فالأربعة عُزّل كرّسوا سنوات من عمرهم للثورة وأمّنوا قوى مسلّحة على حياتهم،
واختطافهم جاء على يد هذه الأخيرة أو بتسهيل منها، وليس على يد النظام أو داعش اللذين
لا يتفاجأ أحد بأفعالهما وإجرامهما.
الثاني، أن عمليّة خطف الأربعة
ضربت المكوّن المدني الديمقراطي للثورة الحاضر ميدانياً داخل سوريا ضربة قاسية.
وليس تفصيلاً أن تراجع حضور هذا المكوّن في الداخل تواصل منذ ذلك الوقت فأمسى
اليوم شديد الضمور، ولولا قلّة من رفاق رزان وسميرة وناظم ووائل وأشباههم لصحّ
القول بانتقاله كاملاً الى خارج سوريا.
الثالث، أن أهل المخطوفين
وأصدقاءهم لن يسكتوا عن هذه الجريمة حتى معرفة مصير الأربعة وإطلاق سراحهم. فإذا
كان صحيحاً اليوم أن سوريا بأسرها منكوبة، وأن مئتي ألف سوري وسورية يقبعون في
سجون نظام الأسد المرعبة وبضعة آلاف يعيشون في عتمة زنازين داعش ومئات في معتقلات بعض
فصائل المعارضة المسلّحة والميليشيات الكردية، فإن الصحيح أيضاً أن هذا الواقع
المأساوي لا يجعل الجريمة عابرةً أو يُحيلها الى "مبدأ النسبية" لأسباب عامة
تنطبق أصلاً على كلّ فردّ مغيّب، ولأسباب خاصة ليس أقلّها مكانة المخطوفين ودورهم
في بدايات الثورة، والبُعد السياسي للخطف، وعلاقة رزان بمنظّمات حقوق الإنسان
الدولية المحترمة التي نشرت العديد من التقارير عن جرائم نظام الأسد ومجازره.
لهذه الأسباب ولغيرها، سيبقى
ملف مخطوفي "دوما الأربعة" حيّاً ما بقوا في الأسر. ويُفيد المسؤولين عن
الخطف أن يخلّصوا أنفسهم من العبء القانوني المتعاظم عبر إطلاق سراحهم، ومعهم جميع
المدنيّين المخطوفين عندهم أو المُعتقلين بغير وجه حق. وبما أن مندوبين عنهم سيحضرون
مؤتمر السعودية للمعارضة بوصفهم "قوة مقاتلة معتدلة"، فيُفيد وفود
المعارضة وأجسامها أن تُثير موضوع الخطف مع الدولة المُستضيفة وتجعل من تحريرهم
مطلباً ملحّاً.
... السلامة لسميرة الخليل
وناظم حمادي ورزان زيتونة ووائل حمادة والحرّية لهم ولجميع المعتقلين.
زياد ماجد