ليست مفاجِئةً لقسم كبير
من اللبنانيّين تلك المعلومات المتداولة مؤخّراً - في الصحف البيروتية - حول المثالب
والجرائم وعمليات السطو والابتزاز التي ارتكبها رستم غزالي، والاعترافات بنقل
العبوات الناسفة من دمشق التي تفوّه بها ميشال سماحة.
ليست مفاجِئة لأنها تشبه
ما خبروه على مدى ثلاثة عقود من سرقة وانتهاكات واغتيالات مارسها النظام الأسدي في
لبنان، ولأنها تختصر "فلسفة" إدارته للبلد بواسطة عملاء يشبهونه بعد انتهاء الحرب ثم سعيه عبرهم للانتقام ممّن طرده
منها بعد 14 آذار ثم 26 نيسان 2005.
على أن الأمر يتخطّى
التجربة اللبنانية، ويصحّ أكثر في التجربة السورية المستمرّة منذ العام 1970. فأخلاق
النظام الأسدي في عهدَي الأب والإبن وتحالفاته مع الأفراد والجماعات داخل سوريا
وخارجها لم تشذّ مرّة عمّا جسّده غزالي وسماحة في سيرتَيهما.
فثمة من جهةٍ عنفٌ مفرط
في وحشيّته وفسادٌ ونهَمٌ للنهب يجاهر بنفسه ويجعل صفاته تلك دليلَ مناعةٍ وبأس
وسطوة، وثمة من جهة أُخرى خطابُ ممانعة وارتداء كوفية فلسطينية ومحاضرات
جيوستراتيجية وادّعاءات ثقافة وعلاقة بالمظاهر "الحداثية" وبالعلمنة،
معطوفٌ على استعداد للقتل ولتقليص المسافة بين التهديد اللفظي للخصوم - باعتباره
قولاً سياسياً وطنياً - وتحضير العبوات السرّي لهم - بوصفه ترجمة أمينة للتهديد.
ولولا اندلاع الثورة
السورية وتصدّع النظام الأسدي وفقدانه أكثر من 60 في المئة من الأراضي السورية التي
كان يحتلّها وتسارع انهياراته في الآونة الأخيرة رغم استشراس إيران وحلفائها
وروسيا في الدفاع عنه، لما كان لسيرتَي الرجلين أن تصبحا مقالات صحفية تعرضها
الجرائد اللبنانية والمواقع الإلكترونية السورية ويتندّر حولها في العلن
اللبنانيون والسوريون؛ ولكان رستم غزالي وميشال سماحة قد ظلّا ضابط أمن مجرم ومرتشٍ
وسياسياً ينظّر للمقاومة ويناطح أميركا وإسرائيل وخطط "سايكس – بيكو" الجديدة،
ولكان فوق ذلك ووجه كل اتّهام لهما بالنفي من قبل الجمهور "الممانع"
وبالإحالة الى مؤامرة ما، صهيونية أو محكمة دولية أو كليهما.
لكن الزلزال السوري أطاح
بكلّ شيء. وأخبار موت غزالي بملابساته المافياوية وبكمّ الشائعات المحيطة به، كما
اعترافات سماحة باستلامه المتفجّرات من علي مملوك بهدف زرعها في لبنان للتسبّب باضطرابات
مذهبية، نُشرت حتى في جريدتين بيروتيّتين مواليتين لنظام الأسد ولحزب الله...
والحزب الذي ما برح يُهدّد منذ حزيران 2013 بحسم المعركة في سوريا خلال أسابيع أو
أشهر قليلة، لم يجد على ما يبدو الوقت بعدُ لنزع اسم من أهداه "بندقية
المقاومة" واسم من احتضنه واعتبره مفكّراً استراتيجياً من لائحة "أشرف
الناس"، الموعودين دائماً بالنصر.
زياد ماجد