تتعرّض عدّة مدن وبلدات
وتجمّعات سكنية في سوريا منذ أربع سنوات لتدمير منهجيّ ينفّذه النظام الأسدي. وقد
هجّر التدمير هذا ملايين السكّان وقتل وجرح مئات الآلاف منهم.
ورغم تعميم الخراب
وتحوّله الى كارثة سوريّة عُظمى تصيب أكثرية الناس، تبقى لمخيّم اليرموك "خصوصية"
تتكثّف فيها المعاناة وتتخطّى الأهوالُ المستوى الذي عرفته سائر المناطق المنكوبة.
فأعداد الشهداء والجرحى من
المخيّم وأعداد النازحين منه نسبةً الى عدد سكّانه الإجمالي هي الأعلى مقارنةً بأي
رقعة أُخرى في سوريا.
والمعاناة من الجوع ونقص
المواد الطبية فيه هي الأصعب (وينطبق الأمر على مناطق عدة في جواره، جنوب العاصمة
دمشق)، لصعوبة خرق الحصار المفروض عليه منذ عامين تقريباً، ولغياب الأراضي
الزراعية أو المواشي داخله التي تخفّف من وطأة الحصار وتوفّر بعض وسائل العيش
للسكّان.
وعدد الناشطين والفنّانين
والصحافيين من أبنائه الذين تعرّضوا للتنكيل والقنص والموت تعذيباً في سجون
النظام، أو للاغتيال من قبل عملائه كما من قبل مجموعات ظلامية تسلّلت إليه أو نشأت
في بعض أحيائه، هو الأكبر نسبة الى عدد المقيمين فيه بالمقارنة مع أماكن أُخرى في
البلاد.
وقد ضاعفت هجمة
"داعش" الأخيرة عليه، عبر بعض خلاياها النائمة، وعبر تسهيل
"النصرة" لمرور عناصرها (المحتلّين أصلاً أنحاء من منطقة الحجر الأسود)،
وتواطؤ النظام معها لاستفادته السياسية والإعلامية والميدانية من الأمر، ضاعفت من مصائب
المخيّم ووضعت الآلاف ممّن بقوا فيه بين نارَي النظام و"داعش".
يُضاف الى كلّ ذلك أن
"اليرموك" في دماره وحصاره وقتل المئات من أبنائه صار تجسيداً فظيعاً
ثانياً بعد "فرع فلسطين"، السجن السوري الشهير، لعلاقة النظام الأسدي
بفلسطين واستغلاله اسم قضيّتها لتنفيذ أبشع الجرائم بحقّ السوريين والفلسطينيين
(واللبنانيين).
ولعلّ فيلم
"حصار" (الذي أنتجته "بدايات") والذي يعرض ليوميّاتٍ من
المخيّم يلخّص في مضمونه وفي مصائر مخرجيه وذويهم مأساة المخيم اليوم. فأحد
المخرجين فقدَ والده إذ أرداه قنّاص للنظام، ومخرج آخر نجا من محاولة اختطاف وقُتل
العديد من أصدقائه، ومخرجان قُتلا في غضون أسابيع اغتيالاً ثم إصابةً خلال
الاجتياح الداعشي...
في مقابل هذا المشهد
اليرموكي المفجع، تبدو ردود الفعل الفلسطينية - الشعبية والسياسية – محدودة، وتبدو
السلطة الوطنية مقصّرة رغم بعض الاتصالات والمواقف (الخجولة والمتأخّرة). ويبدو
فوق ذلك أن مصير من تبقّى في المخيّم نهبٌ لما يقرّره النظام و"داعش"
وبعض المجموعات، من دون قدرة أو رغبة دولية وعربية في إيجاد "حلّ
إنساني" أو في فرض وقف إطلاق نار يُتيح إخراج من يرغب في الخروج وإدخال
الأطعمة والأدوية والاحتياجات الى الباقين في المخيّم.
اليرموك يختزل اليوم التراجيديا
السورية الفلسطينية في أصعب مراحلها إذاً، وقاتلو أبنائه وبناته كما المتواطئون
عليهم أو المانعون دخول الناجين منهم الى دول عربية قريبة وأقل قرباً شركاء في
جريمة كبرى. واليرموك صار بهذا المعنى مرآةً لأخلاق عالمٍ يسقط أكثر فأكثر في
سوريا، منذ سنوات.
زياد ماجد