لا يبتعد الثالث عشر من نيسان سنوياً في لبنان مقدارَ 365
يوماً. يبدو غالباً ذكرى حيّة لا تتقادم كثيراً مع مرور الزمن. نستذكرها مرّة، ثم
نتناساها مرّتين، ثم تبدو في المرة الرابعة على الحال الذي تركناها فيه قبل ألفٍ
ومئة يوم.
ولِعدم الابتعاد هذا، إن
صحّ، أسبابٌ عدّة.
أوّلها يرتبط بملفات الحرب نفسها التي لم تُقفل: من ملفّ آلاف
المخطوفين الذين لا يمكن الطلب الى ذويهم الحداد عليهم دون الكشف عن أماكن دفنهم
وإقامة نصب تذكاري أو ضريح جماعي لهم يكون بمثابة الاعتذار الجماعي منهم؛ الى ملف
المفقودين في السجون السورية المجهولة مصائرهم والمطلوب توضيحاً لها وتصرّفاً
بموجب التوضيح؛ الى ملف العفو غير الانتقائي المؤسّس لكتابة التاريخ بصيغه وتأويلات
أحداثه المتعدّدة، من دون خوف ومن دون تسوويّات تبدو الحرب فيها أقرب الى الكارثة
الطبيعية التي أصابت البلد منها الى الصراع الدموي الذي انخرط فيه مباشرة وعلى نحو
غير مباشر قسمٌ كبير من اللبنانيين.
ثانيها يتعلّق بحضور الحرب دورياً في حياة الناس بشكل أو
بآخر، أو بقائها شبحاً يحوم فوقهم. فمن التفجيرات والاغتيالات المتعاقبة في العقد
الماضي بأكمله، الى 7 أيار 2008، الى معارك طرابلس المتفرّقة، وصولاً الى انخراط
حزب الله في القتال في سوريا الى جانب النظام الأسدي، تبدو بعض ملامح الحرب نافرة
في اليوميات اللبنانية. وهي تظهر كل فترة أيضاً بوصفها احتمالات ترتبط بعلاقات
إسرائيل وإيران وأميركا والملف النووي وما قد يطرأ عليها من تفاهمات أو صدامات.
وثالثها يتأتّى من استمرار التوتّرات المذهبية وتصاعدها
أحياناً على خلفية تصاعد
الصراع الإيراني السعودي من ناحية، وعلى أرضية غزو حزب الله عسكرياً لبعض المناطق
السورية من ناحية ثانية وتهجيره جزءاً من سكّانها الى عرسال ومناطق بقاعية وشمالية
عدّة يجري التضييق عليهم وعلى بعض حاضنيهم فيها.
أما رابعها، فيتّصل بعجز النظام السياسي اللبناني عن
إدارة الأزمات المتلاحقة التي تصيبه و"قلّة مرونته" المعطوفة على رداءة
معظم الطبقة السياسية وتمنّعها عن أي جهد إصلاحي. وليس أبلغ اليوم من شغور موقع
الرئاسة وتمديد البرلمان لنفسه وتحوّل الحكومات المتتالية الى مهام تصريف الأعمال
للدلالة على العجز في النظام والرداءة في أداء السياسيين، وما يستتبع ذلك من تراجع
لمناعة الدولة نفسها ومؤسساتها تجاه المخاطر المحيطة بها.
بهذا، يمكن القول إن أربعين نيساناً عبرت منذ 13 نيسان
1975، من دون أن ينجح لبنان حتى الآن في تحويل أي من الاستذكارات السنوية الى
مناسبة تبان فيها الحرب جزءاً من تاريخ يتقادم ويتحوّل الى سيَرٍ تُروى دون مهابة
تكرار بعضها، أو التشبّه ببعضها الآخر.
زياد ماجد