هناك مئات الآلاف من
المعتقلين والمخطوفين والمفقودين في سوريا، يقبع معظمهم في سجون النظام في ظروف
مروّعة، ويستحقَ كلّ واحد منهم وكلّ واحدة منهنّ تضامناً واستذكاراً يومياً
ومطالبةً باستعادة الحرّية. على أن هناك أكثر من سبب يجعل من حالة خطف رزان زيتونة
وسميرة الخليل ووائل حمادة وناظم الحمادي وجعلهم في عداد مئات الآلاف المذكورين، حدثاً
إستثنائيّ الخطورة وأمراً ذا دلالات تتخطّى الخطف المروّع نفسه وجريمة الاحتجاز.
السبب الأول، عمل المخطوفين وأدوارهم السياسية والثقافية
والاجتماعية وسيَرهم الشخصية وكتاباتهم التي جسّدت جميعها أجمل ما في الثورة
السورية من شجاعة وعزم ومسؤولية وتوثيق للأحداث ودفاع عن المعتقلين وعن قضية
الحرّية والكرامة الإنسانية في سوريا؛ هذا إضافة الى كونهم من المعارضين الأكثر
مصداقية للنظام منذ سنوات طويلة سبقت الثورة نفسها (وقد دفعت سميرة سنوات من عمرها
في سجون الأسد الأب).
السبب الثاني، مكان الخطف والجهة المسؤولة عنه. فالخطف
حصل في كبريات مدن الغوطة وأحد معاقل الحراك الثوري منذ مارس 2011، دوما. وإليها
لجأت رزان وسميرة ومعهما وائل وناظم بحثاً عن الأمان وعن مشاركة أهلها تجربتهم مع
التحرّر من النظام والتعرّض في نفس الوقت لحصاره وقصفه، وسعوا من خلال عملهم الى تعزيز
المجتمع المحلّي ودعم هيئاته. والمسؤولية عن هذا الخطف تقع على عاتق فصيل عسكري (جيش
الإسلام) يقاتل النظام على أكثر من جبهة، ويتولّى الأمن في معظم الغوطة، وإن لم
يكن عناصره من الخاطفين، فتقصيرهم في أي حال كبير يبلغ حدّ التواطؤ إذ لم يقوموا
بأي تحقيق جدّي بحثاً عمّن ظنّهم شركاء تجربة ثورية وأسلمهم أمنه.
السبب الثالث، استمرار احتجاز الأربعة بعد سنة تقريباً
على اختطافهم، وتباطؤ المساعي للإفراج عنهم. ويُسجّل هنا فتور ردّات فعل أطراف
المعارضة السورية الرسمية، وانتفاء المبادرات لدى الحكومات والهيئات الإقليمية
والجماعات غير الحكومية التي تموّل معظم القوى الإسلامية السورية المقاتلة، والتي
يمكنها الضغط من أجل الإفراج عن المعتقلين.
لهذه الأسباب ولغيرها، لا مبالغة في القول إن خطف رزان
وسميرة ووائل وناظم في منطقة محرّرة من احتلال النظام ومن "داعش"
وإخفائهم لمدّة عام حتى الآن هو من أبشع ما اقتُرف من ممارسات في الثورة وضدّها،
وإن المطالبة بالأفراج الفوري عنهم تبقى أولويّة الأولويات.
زياد ماجد