يعيش لبنان منذ أسابيع
توتّراً تضبط إيقاعه ومضاعفاته جريمة خطف ذهب ضحيّتها عدد من عناصر قواه الأمنية
النظامية على يد مسلحّين من فصائل إسلامية وجهادية تقاتل في سوريا. فالجريمة
المذكورة، بمستوياتها المتعدّدة، تظهّر مدى هشاشة "الدولة" اللبنانية
بمؤسّساتها التي ما زالت قائمة.
ويفيد التذكير، في يخصّ
الجريمة نفسها، بما يغيب أكثر فأكثر في النقاش اللبناني العام حولها.
فالجريمة هي أوّلاً
سياسية، نجمت عن وضع عسكري متفاقم في منطقة القلمون السورية على مقربة من الحدود
اللبنانية البقاعية، حيث يعتدي حزب الله منذ صيف العام 2012 على السوريّين، قبل
وصول "النصرة" الى المنطقة وقبل الولادة الرسمية لـ"داعش"
بسنةٍ كاملة.
والجريمة هي ثانياً
نتيجة فلتان حدودي في الاتجاهين، تُسأل عنه أجهزة الدولة الأمنية التي لم تضبط
الحركة في الاتجاه السوري، ولم يعد بمقدورها ضبطها في الاتجاه المعاكس، أي
اللبناني.
وهذا لا يعني بأي شكل أن
ثمة ما يبرّر الجريمة أو يوجد أسباباً تخفيفية لمرتكبيها. فهم قتلة، وما إعدامهم
لمخطوفين وتهديدهم بالاستمرار في ذلك سوى دليل على وضاعتهم الإجرامية.
على أن ما يدعو للتذكير
المشار إليه هو أن الطرف اللبناني المسؤول جزئياً عن مأساة العسكريين المخطوفين وذويهم، إنما يتباهى في المقابل بنجاحه بتحرير أحد أسراه في عملية
تبادل أقامها مع خاطفي العسكريّين إياهم، محوّلاً الأمر الى مدعاة مقارنة بين
إنجازاته وإخفاقات "الدولة"، التي يتحكّم الى حدّ بعيد في ظروفها وفي إدائها.
أكثر من ذلك، يُظهر حزب
الله نفسَه وسط المأساة هذه كطرف هو الأكثر عقلانية وكفاءةً (وليس الأمر في أي حال
بمفاجئ) بين أطراف المعادلة الثلاثية الشهيرة التي أرساها: الجيش والمقاومة
والشعب. فالأول، كاختزال مؤسساتي للدولة، يبدو عاجزاً حتى الآن عن إنهاء وضع أمني
إنساني يطال عناصر محسوبين عليه وعلى عدد من الأجهزة "الدولتية".
والثالث، الشعب، لا يبدو أكثر من جماعات تنفعل وتتصرّف وفق ردود أفعالها الغريزية
على حالات الخطف وتهديدات الإعدام، فتقطع الطرقات أحياناً، وتعتصم حزناً وقهراً
أحياناً، ثم يخرج من صفوفها في أحيان أُخرى من يبادر الى اعتداءات عشوائية إجرامية
ضد لاجئين سوريين أو ضد مخيّمات بؤس أقاموها.
هكذا، تتعرّى الدولة
اللبنانية وتفقد حصانات مؤسساتها الواحدة تلو الأخرى، وتخرج مجموعات أهلية عن أطر
السلوك والنشاط المدنيّين لتمارس العنف المعمّم، فلا يبقى سوى
"المقاومة" التي تقاتل في سوريا (وتتسبّب بالمصائب للسوريّين
واللبنانيّين) قادرةً على حماية أبنائها، واستطراداً من يلجأ إليها. وهكذا أيضاً
يتكرّس انخراط لبنان الدموي في الأتون السوري، أو بالأحرى في الأتون السوري –
العراقي، بلا استشارة لكثر من اللبنانيين وبلا حسابات لما سيحمله المستقبل من
احتمالات أهوال قد لن تكفي "الكفاءة" ولا القدرة على تحرير الأسرى
لدرئها
زياد ماجد