يصعب تحديد موقف دقيق من
التطوّرات السياسية والتنظيمية على جبهة المعارضة السورية. ذلك أن "النفعية"
وحدها صارت اليوم، بعد عشرين شهراً من عمر الثورة وبعد 40 ألف قتيل ومئات ألوف
الجرحى والمعتقلين والنازحين، معيار قياس الأمور الأوّل.
فخيارات المعارضة السورية
تقلّصت وانحسرت في إطار مهمّة وحيدة هي تسريع إسقاط النظام للحدّ من كمّ الأضرار
التي يتسبّب بها وكبح الأذيّة التي ينشرها في المجتمع السوري. وهذا يعني في ما
يعنيه، الالتفاف حول أي جسم إئتلافي واسع يؤّمن تمثيلاً مقبولاً للتيارات السياسية
وللتنوّع الثقافي السوري وينتزع دعماً دولياً يوازي على الأقل الدعم الذي يحصل
عليه النظام من إيران وروسيا (ومعهما الصين).
لكن المقلق في الأمر أن النفعية
تدفع الى التجريب. والتجريب إن كثُر، فقدَ مع كل محاولة كثيراً من زاده وتحوّل مع
الوقت عبئاً على المجرّبين ومن يمثّلون، خاصة وأن جلّ ما يستطيعونه راهناً هو
إدارة الكفاح المسلّح الذي فرض النظام قيامه بعد استنفاد الثورة للأساليب السلمية،
وإدارة الإغاثة الممكنة بعد أن حوّل النظام أبناء مدن وقرى ومناطق بأكملها الى
منكوبين مشرّدين. وفي القتال كما الإغاثة تبدو السياسة في هوامش ضيقة، وتبدو
الدعوات للبحث في قضايا خطيرة، مثل شكل النظام المستقبلي وبرامجه وسبل التعامل مع
المسألتين الطائفية والقومية وقضايا السياسة الخارجية، ترفاً أو بحثاً تجريدياً لا
يحمي مدينة من براميل ديناميت طائرة ولا بلدة من سكاكين ونيران زاحفة.
ليس من المبالغة إذن اعتبار التسليح،
وتحديداً بالصواريخ المضادة للطيران، المقياس الأهم الذي يبيّن حزم الدول الغربية
وخلفها بعض الدول العربية في دعم الثورة السورية. وليس من المبالغة أيضاً القول إن
ما دون ذلك، لم يعُد يجدي في ظل تعطيل النظام السياسة داخل سوريا واستبدالها
بالقتل، وفي ظل انخراط إيران وروسيا كل لأسبابها في تسليح آلة القتل ومنع انهيارها،
وإدخالهما سوريا في دائرة التجاذب الإقليمي والدولي لتتحوّل – تماماً كما العراق
عام 1991 – ساحةً لتظهير التبدّل في العلاقات الدولية وفي موقعَي روسيا والولايات
المتّحدة الكونيّين.
إذا سلّمنا بصحة هذا التشخيص أو
بصحّة بعض جوانبه، يصبح الحكم على الائتلاف الوطني السوري مرتبطاً بمدى نجاحه في
انتزاع أسلحة نوعية ومواد إغاثة معيشية وطبية وتأمين وصولها الى أيدٍ أمينة داخل
الثورة. وتصبح السياسة محصورة في قدرته على إقناع الدول الكبرى كما الدول العربية
بالسير في الأمر ومواجهة المشكّكين بمصداقية قوى الثورة المسلّحة وانضباطها. دون النجاح
في هكذا إقناع وتنفيذ، وبالعودة الى "التقييم النفعي"، يصبح الائتلاف هيئة
موسّعة جديدة، بفاعلية قد تكون أعلى وقد تكون أدنى من فاعلية من سبقها، ويكون
التجريب الملزم قد أكل رصيداً إضافياً من رصيد المحاولات التحالفية السورية الواسعة...
محزن أن يبدو الأمر على هذا
النحو. لكن همجية نظام لاسياسي تنجح إن تُركت، وهي تُركت دولياً وعلى مدى أشهر
طويلة، في تحويل ثورة من لحظة سياسية تبحث عن بناء الجديد سلمياً الى لحظة تغيير
بالنار والبارود شغلها الوحيد مأساة بلادها وسبل إنهائها قبل البحث في المرحلة
الانتقالية والنظام الجديد وغير ذلك من مشاريع سياسية نبيلة وضرورية...
زياد ماجد