يشعر كثر من المثقفين والناشطين
الفلسطينيين بالحسرة على ما آلت إليه أوضاعهم في الأعوام الأخيرة. فالفلسطينيون
كانوا على الدوام طليعيين في حراكهم السياسي وتعدّد اتجاهاتهم وأحزابهم وتياراتهم
في عالم عربي حكم أكثر دوله الاستبداد والحزب الواحد أو العائلة وأقاربها. وهم
كانوا أيضاً في انتفاضاتهم المتلاحقة، وأهمّها شعبياً إنتفاضة العام 1987 ضد
الاحتلال الاسرائيل وضد العجز والتواطؤ الدوليين، سبّاقين على جميع الحركات
الشعبية العربية وانتفاضاتها. فإذا بهم، حين دخل العالم العربي مرحلة تغيير كبرى
مع اندلاع الثورات في تونس ومصر وليبيا والبحرين واليمن وسوريا عام 2011، ومع
تقدّم الحراك الشعبي في أكثر من بلدٍ آخر، يبدون عاجزين عن المواكبة وعن الثورة
على أوضاعهم الداخلية أولاً وعلى الاحتلال الخارجي – الاسرائيلي ثانياً.
حاولت "السلطة الوطنية"
المترنّحة التعويض عن ذلك عبر الذهاب الى معركة ديبلوماسية في الأمم المتّحدة في
توقيت ظنّته مفيداً، لكنها عادت وتراجعت أمام الضغوط الأميركية وأمام تعقيدات
الوضع الدولي والاقليمي، واستسلمت للعجز ولواقع التمزّق الفلسطيني الداخلي الذي تتحمّل
هي، كما حركة حماس، المسؤولية الكبرى في حدوثه.
واليوم، بعد عام على خطوة
التوجّه الأممي تلك، وبعد إجهاض ما بدا أنه دينامية جديدة، ينكشف الوضع الفلسطيني على حال من الاهتراء
الشديد ترتبط أسبابه على الأرجح بثلاثة أمور.
- العجز الميداني والمادي
"المستديم" أمام آلة الاحتلال الاسرائيلية المكمّلة توسيع
الاستيطان في الضفة الغربية والقدس الشرقية والمصادِرة الأملاك والأراضي
الفلسطينية والساعية الى التسريع في عملية "الإبادة السياسية" Politicide للكيان الفلسطيني، في ظلّ لا مبالاة دولية وغياب للمواقف الرادعة
أو الحاسمة تجاه انتهاك تل أبيب للقانون الدولي وقرارات الأم المتحدة.
- استمرار التمزّق السياسي
والترابي والأمني بين الضفة وغزة، وعمق الخلافات بين القوى الفلسطينية حول سبل
إدارة الصراع أو التفاوض مع إسرائيل. ولم تبدّل إعادة التموضع الإقليمي لحماس بعد
خروجها من دمشق في الأمر، فاستمرّ التنافس بين رام الله وغزة على المشروعية وعلى
تجديد العلاقات العربية من دون تقديم جديد في السياسة أو في مقاربة القضية
الفلسطينية وأولوياتها.
- الإنهاك الاقتصادي نتيجة الحصار الاسرائيلي
وتقطيع الأراضي والسطو على قسم من الموارد المالية، والانقطاع شبه التام للتواصل
الجديّ بين الداخل الفلسطيني ومخيمات الشتات حيث اللاجئون بلا مرجعية سياسية أو
حماية قانونية. ولعل الصمت "الرسمي" الفلسطيني تجاه المجازر التي
يرتكبها النظام السوري في مخيم اليرموك وغيره من مخيمات سوريا، أو تجاه المخاطر
التي تتهدّد مخيّمات لبنان حيث يستمر الحصار والتمييز وتتصاعد التوتّرات الأمنية،
يشير الى ما يشبه الاستقالة من المسؤولية الوطنية عن قسم كبير من الفلسطينيين
المقيمين على بعد أميال قليلة من فلسطين.
وإذ يصعب التكهّن في ما ستفضي
إليه التطوّرات المقبلة في المنطقة وأثر ذلك على الفلسطينيين، لا سيّما بعد
الانتخابات الأميركية والاسرائيلية وبعد اتّضاح سمات الأوضاع العربية الجديدة،
تبدو الانتظارية السياسية للقيادات الفلسطينية إستسلاماً إضافياً للعجز وليس
تحضيراً لمواكبة ما قد يطرأ والتحضّر لمواجهة تداعياته أو الاستفادة منها.
فهل من تبدّل قريب يعدّل في
الانتظارية هذه ويعيد بلورة خيارات وطنية أو يضغط باتجاه مصالحات حقيقية وتوحّد
ولو بالحدّ الأدنى؟
لا أمل اليوم إلا في ذلك، وفي نخب
فلسطينية شابة ما زالت على هامش التأثير، لكنها قد تتحوّل في لحظة مفصلية، كمثيلاتها
العربيات، الى قوة تغيير.
زياد ماجد