في معرض رثائه لسفّاحي
"خلية الأزمة" قبل أسبوع، ارتكب أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله
ثلاثة أخطاء خطيرة.
الخطأ الأول
"أخلاقي"، إذ ترحّم على أربعة قتلى - قتَلة، ولم يترحّم على ألوف ضحاياهم
المباشرين وغير المباشرين، الذين إن صحّ أنه "لم يرَهم" خلال قصف مدينة
حمص، فهو على الأرجح رآهم بعد ذلك. وحتى لو اعتبر أن الألوف هؤلاء ليسوا ضحايا
"خلية الأزمة" وسائر "رفاق سلاحه" في الحكم، بل ضحايا القتال
والمعارك و"المؤامرات الخارجية"، إلا أنه على الأقل يعرف أوضاع عشرات
ألوف المعتقلين في السجون السورية، ويعرف الأسلوب الذي تعاملهم به الأجهزة التي
قادها القتلى ("الشهداء" على ما أسماهم). لا بل سبق له أن تحدّث عن ذلك
قبل عامين، واستخدم ما حرفيّته "طحن العظام العنجري" لتوصيف السلوك تجاه
المعتقلين في مركز المخابرات السورية البائد في عنجر، حيث المعاملة لم تكن تختلف
عن تلك المعتمدة في عشرات سجون الداخل السوري.
الخطأ الثاني "علمي".
ذلك أن التحجّج بكون نظام دمشق هو مرسل الصواريخ خلال حرب تموز 2006 لتبرير دعمه،
يتجاهل أن أثمان تلك الصواريخ مقتطعة من اقتصاد الشعب السوري ومن تضحياته وجهوده،
وأنها ليست منحاً من بيت مال آل الأسد وأقاربهم. وهي اليوم تُستخدم لطعن الشعب الذي
ابتاعها والتهام لحمه... على أن التجاهل هذا ليس مستغرباً على من يعرّف بلداناً
بأسماء حكّامها المستبدّين مختصراً تاريخها وحاضرها باسم عائلة، ومُسقطاً من
اعتباره الشعوب بآلامها وآمالها ودمائها وعرق جبينها.
أما الخطأ الثالث، فسياسي. ذلك
أنه ليس من الحكمة (لبنانياً على الأقل) الوقوف الى جانب نظام يترنّح والاستمرار
في استفزاز أكثرية شعبية في لحظة ثورتها على ظلم تعيشه منذ 42 عاماً، والتأسيس
(الحثيث) لاستعدائها مستقبلاً. خاصة وأن الأمر يتخطّى في حالة السيد نصر الله
الاصطفاف السياسي العام الى التموضع الطائفي الخاص الذي لا يمكنه ادّعاء نأي عنه،
وهو المعمّم والعقائدي، المختلف في الالتزام عمّن يُعاديهم والمتحالف مع قطب
إقليمي يتصارع مع أقطاب آخرين، ولا يخلو صراعهم من الاستقطابات المذهبية
القاتلة...
في أي حال، يدرك أمين عام حزب
الله اليوم أن نظام القتَلة ساقط. لكن ما لا يدركه، بالمقدار نفسه، هو سقوط
مصداقيته وشعبيّته سورياً وعربياً. وحتى لو ردّ له بعض من يراهم السبب الى التعصّب
المذهبي، فيفيده أن يسألهم عن أسباب الشعبيّة السابقة في ظلّ نفس التعصّب المذكور.
ويفيده أكثر تدارك الأمر، ولو متأخّراً، وهو المسؤول عن حزب يمثّل أكثرية لجماعة
أهلية في بلد هشاشة الإجماعات الوطنية، وفي منطقة الصدامات المنقّبة منذ فترة عمّا
جرى ذات يوم في "سقيفة بني ساعدة"!
وتمنّي التدارك هذا ليس حرصاً
على حزب السيّد وحده، بل على "شعبه" وعلى مستقبل العلاقة بين بلدين لن
يكون فيها محلّ لرفقة هكذا سلاح، ولا لهكذا خلايا أزمات.
زياد
ماجد