يمكن الجزم بأن أبرز انفعال
عاطفي يرافق السوريين ومتابعي الشأن السوري منذ 17 شهراً هو الدهشة. دهشة اكتشاف البلاد وناسها.
دهشة التساؤل اليومي أمام مشاهد المظاهرات والاعتصامات: "هل يُعقل أننا لم نكن
نعرف هؤلاء الناس؟"
دهشة الوقوف على المواهب الخارقة سخرية وفنّاً وإبداعاً: "أين
كان فنّانو اليافطات السياسية طيلة السنوات الماضية؟ ومن هم هؤلاء الذين يصمّمون
الشعارات والملصقات وأولئك المشرفون على صفحات الفايسبوك ومواقع الانترنت؟ وكيف
انتشرت فجأة ظاهرة الصحف والنشرات التي تصدر في مدن أو بلدات صغيرة وفيها مقالات
وتقارير بجودة عالية؟ ومن درّب آلاف الشبّان على التصوير والإخراج والبث
الإلكتروني المباشر؟ ثم أين كانت تختبئ كل هذه المثابرة وهذا النفس الطويل في قرى
لم يكن أكثر السوريين يعرفونها على الخارطة؟ وكيف ظهرت مبادرات التضامن التي
يُطلقها منذ فترة مواطنون للتخفيف عن المهجّرين واللاجئين من المناطق المنكوبة؟"
يمكن بالطبع للبحث السوسيولوجي
أن يقدّم بعض الأجوبة، ويمكن للمقارنة بين حالات ثورية في ظل أنظمة استبداد دموية
أن تحمل زاداً نظرياً يساعد على فهم الظروف التي تدفع الى تفجّر طاقات شعبية هائلة
في ظروف مشابهة. ويمكن أيضاً لبعض الناشطين ممّن صاروا على تماس يومي مع الناس ومع
مجموعات العمل في أكثر من مكان داخل سوريا أن يتحدّثوا عن تجاربهم وعمّا تعلّموه
منذ عام ونصف.
كما يمكن للبحث السياسي أن
يتوقّف عند دلالات المفارقة الصارخة بين كمّ الابداعات الشعبية والمواطنية وضآلة الإنتاج البرنامجي (بالمعنى السياسي)
المنظّم وعجز المكوّنات السياسية المؤيّدة للثورة عن مجاراة "الجمهور"
في إدهاشه لنفسه ولها ولجميع المراقبين. فهذا أصلاً واحد من تجلّيات التشظّي
المجتمعي الذي يُحدثه الاستبداد والذي ينهيه الثوّار (وجلّهم من بنات وأبناء الجيل
الجديد).
غير أن البحث والتفسير لا يخفّفان
من وقع الدهشة الدورية ولا يغيّران من كونها أبرز عنصر انفعال يجمع المتابعين
للثورة وكثراً من المنضوين في صفوفها.
لذلك، تبدو الدهشة السورية
تأسيسيةً أو جزءاً من انفعال معمّم يرافق اكتشاف أفراد "المجتمع" لبعضهم
بعد عقود من التوحّد. وتبدو أداةً لعبور جدران الريبة والخوف التي حطّمت الروابط بين
الناس.
لكنها، ككل عاطفة واكتشاف لا
تكفي لبقاء اللُحمة والتماسك بعد انتهاء مفعولها. فإن كانت سوريا تتأسّس اليوم بها،
إلا أنها ستحتاج في المستقبل القريب لأمور كثيرة غيرها. وهذا ما يرُجى أن يحاول
"المدهوشون" التركيز عليه، وقسم منهم قد بدأ بذلك فعلاً...
زياد ماجد