من فضائل الربيع العربي على لبنان، لا سيّما منذ انطلاق فصله السوري، أنه أعاد اللبنانيين الى شيء من "النسبية" التي فقدوها حين ظنّوا لسنوات أنهم محور اهتمام المنطقة والكون أو محور تآمرهما.
ومن فضائله كذلك، أنه عرّى الطبقة السياسية اللبنانية بأكثر مكوّناتها وجعلها تبدو على حقيقتها الباهتة بعد أن أمّنت لها سنوات الصراع الداخلي اللبناني (والإقليمي) أحجاماً أكبر من أجسامها.
والأمر هذا يسري بالدرجة الأولى على حزب الله الذي يظنّ نفسه خارقاً في قدراته وتأثيره، في حين أن الأحداث العربية والسورية المتلاحقة أظهرته مجرد تنظيم مذهبي لبناني شديد الالتحاق بحلف نظامَي طهران ودمشق، بلا مخيّلة سياسية وطاقة تتخطّى سلاحه المُستورد وإمكاناته المادية، يتوهّم أن في مباركته ثورة أو هجائه ثورة أخرى ما يعدّل من مسار الثورة المعنية. أكثر من ذلك، صار الحزب مدعاة تندّر في انتقائيّاته الثورية، إذ لا تعنيه مطالب التحرر والديمقراطية ولا تهمّه الجرائم والمجازر، بل جلّ ما يحدّد مواقفه مرتبط بعلاقة الأنظمة التي تتهدّدها الثورات به وبإيران.
على أن الأمر يسري أيضاً على معظم من وما تبقّى من مسؤولين في 14 آذار. فبعد ارتباكات رافقت ثورتي تونس ومصر، وبعد صمت متواطئ رافق قمع التحرّكات الشعبية في البحرين، خيّم السكون لأسابيع طويلة تجاه ما يجري في سوريا، قبل أن تُجبر الانتقادات ثم التبدّلات في المواقف العربية والدولية المسؤولين المذكورين على رفع الصوت وإشهار المواقف العلنية.
وإن أضفنا الى المشهد هذا أهلَ الخطاب الممانع المنقسمين على أنفسهم بين من "استحى" فقرّر بعد سقوط أكثر من 2000 قتيل سوري تعديل موقفه، وبين من استمرّ في بحثه عن أميركيين إمبرياليين هنا وعرعوريين هناك ليبرّر موالاته لنظام "الصمود والتصدّي"، تبدّى لنا حجم الإفلاس والبهتان الذي لا يبزّه شيء إلّا إفلاس الحكومة اللبنانية نفسها وبهتان وزارة خارجيتها...
يبقى القول إن هؤلاء مجتمعين، ولحسن الحظ، لم يغطّوا على أصواتٍ شجاعة وعلى مبادرات تضامن نبيلة مع الشعب السوري وثورته، من حديقة سمير قصير الى شاطئ البحر، ومن أمام السفارة السورية في الحمراء المستباحة الى ساحة الشهداء ومن بلدات البقاع والشمال والجبل الى كتابات ومقالات ومدوّنات وشبكات تواصل اجتماعي. أصحاب الأصوات هذه يُبقون للحرية مرقداً في لبنان. مرقد يستحق الدفاع عنه وحمايته لنستقبل فيه فرحة الانتصار السوري المُقبل...
زياد ماجد