"كيف يُعقل أن يؤيّد حزب الله نظاماً يذبح شعبه؟" هذا هو السؤال الذي يردّده عليّ أصدقاء عرب في باريس ممّن بدّلوا مواقفهم من النظام السوري مؤخّراً بعد اقتناعهم بزيف كلام المؤامرات والسلفيّات، وبعد أن أذهلتهم مناظر القتل والوحشية المتسرّبة من سوريا حيث يؤكّد النظام كل يوم قدرته و"شبّيحته" على التنصّل الكامل من أي أثر للإنسانية.
والسؤال، على ما فيه من سذاجة إن وُضع في سياقه اللبناني، جديدٌ عربياً ويؤشّر الى ضيقٍ وتيهٍ يضرب في أوساطٍ كانت تفصل "المقاومة" عن السياسة، وتُخرجها من المجتمع ومن التحالفات والممارسات وخصائص الإيديولوجيات، جاعلة إياها كياناً ميتافيزيقياً علاقته الوحيدة بالواقع صواريخه وبنادقه. فإذا بها تتلقّى صدمة تأييد "المقاومين" لعمليات القتل والتعذيب التي تدور فوق التراب السوري، فتتخبّط في سُبل شرح ذلك.
ولحسن الحظ، فأن السبل هذه لا تسلك المسالك اللبنانية، ولا تحوّل النقاش – على طريقة الممانعين اللبنانيين – الى تذكير بأن لا ديمقراطية في السعودية والبحرين، وبأن لا عدل في فلسطين، وكأن في البديهيات المذكورة ما يُحاجَج به ضد طلب الحرية في سوريا! بل هي تُبقي الموضوع في موضعه الحدثي، وتنهيها صُور حمزة الخطيب وليال وأمها عن كل حديث في الدسائس والمكائد وعصابات المسلّحين الأشرار. أكثر من ذلك، بدأ الذهول من الصمت العربي والدولي الداحض في ذاته نظريات المؤامرة يصبح معمّماً، إذ صار كل معلّق على الشأن السوري يتبرّم من هذا الصمت ويعدّه تاطؤاً ضد شعب أعزل يصارع الموت والهمجية وحيداً...
على أن حزب الله، الفاقد كل جمعة جرعة إضافية من المصداقية في نظر العرب المتغيّرين و"المتحرّرين"، قد لا يأبه كثيراً لكل هذه الأمور. فهو جزء عضوي من منظومة استراتيجية لا فكاك له عنها، وقد يظنّ أن تصعيد الهتاف ضد إسرائيل والتظلّم من استهداف المحكمة الدولية له سيكفيان ليُنسِيان الرأي العام العربي لاحقاً مواقفه من المقتلة في "سوريا الأسد"... وقد يقول أيضاً – كما يفعل بعض المقرّبين إليه – إنه ضد القتل ويتمنّى الاستقرار والسلام للشعب السوري، وإن تحالفه مع نظام دمشق محصور بهدف المقاومة ومواجهة العدو...
لكنه في كل ذلك لن يُقنع بعد أيام أحداً من المتغيّرين الذين صفّقوا له طويلاً في السابق... ربما عليه أن يبدأ بتنظيف الرصاص والقنابل التي ترده عبر الحدود السورية من دماء أطفال حماة ودرعا. فصناديق الذخيرة الوافدة مجبولةٌ حكماً بدماء أكثر من ألفي مواطن ومواطنة سورية، ولن تصلح بعد الآن لشيء، لا لمقاومة ولا لممانعة ولا ما يحزنون...
زياد ماجد