تكرّرت في الآونة الأخيرة عبارات ثلاث عبّرت أصدق تعبير عن فلسفة السياسة والعلاقات الدولية المنبثقة منها كما يعتنقها عدد كبير من القوى السياسية ذات الحضور الجماهيري الكبير في لبنان (واستطراداً في العالم العربي).
أولى العبارات، عبارة "المؤامرة". وهي عبارة لا ترى في السياسات والتحدّيات والمصالح سوى مكائد، ولا تنظر الى العلاقات والمعاهدات الدولية والمؤسسات الأممية إلا من منظار الريبة والتوجّس من الكمائن المنصوبة. وهي بذلك لا تدفع فهمنا للعالم نحو المزيد من التسطيح والفقر السياسي والثقافي فحسب، بل تسهم أيضاً في إفشال أي جهد ممكن للتعاطي معه من منطلق الدفاع عن المصالح وفهم التحالفات والسعي للتأثير الجدّي فيها.
المفارقة، أنه رغم سهر أكثر القوى هذه ومناصريها على متابعة أخبار "المؤامرات" ورصد جديدها وفضح سيناريواتها، فالأخيرة تبقى مباغتة لهم ومولّدة للمصائب والويلات، يسلّمون لها - رغم كشفهم لمكرها –بالنجاح، فيحذّرون من فتنتها ومن دفعها الجماعات للتقاتل والوقوع في الأفخاخ!
وثانية العبارات، عبارة "ولاية الدم". وهي تكرّرت مؤخّراً، لتصير لسان حال المطالبة باستبدال مبدأ الحق العام وفلسفة القانون وآليات عمل المحاكم والمؤسسات والأجهزة والمواثيق والتشريعات الوضعية ومبادئ الثواب والعقاب، بعناصر الوراثة والولاية العائلية والعشائرية حيث الثأر أو الصفح أو الدية أو دفع الفدية أو الصلح و"مجالس الأعيان" هي أساليب فضّ النزاعات وطيّ صفحات الجرائم. فإما ذلك، أو الرضوخ للمؤامرات عينها وحروب "داعس والغبراء" المنبعثة منها.
وثالثة العبارات، المطّلة برأسها كل ما أُريدَ للحمية أن تتوهّج في وجه "العدوان"، هي تلك المنادية بالذود عن "الشرف والعِرض"، وهما طبعاً "أغلى ما نحافظ عليه". أما موضعهما، فليس في حرّياتنا وفي حقوقنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولا في قدرتنا على العيش بأمان وباستقرار كريمين ولا في إحقاق العدالة وصون الحق. بل في خصوصيات نسائنا بوصفهنّ حصراً "أخوات أو أمهات أو بنات أو زوجات"، أي منسوبات للرجال منتظرات فروسيتهم للدفاع عنهن وعن أسرارهن، وأخطرها مدفون في عيادات نسائية أضحت مواقع مُستهدفة من المتآمرين "الساقطين سياسياً وأخلاقياً"...
هكذا تتحوّل القضايا الإرادية الى غيبيات والمساقات السياسية والقضائية الى ولايات دم؛ وفي التحوّل المذكور ما يصعّب البحث في سبل إدارة الأزمات أو الوصول الى مخارج وتسويات. فكيف إن عُطفت على الأمر عيادات شرف وصيانة أخلاق من جهة، وهروب من تحمّل المسؤوليات من جهة أخرى؟
زياد ماجد