بعضها أزمات معيشية واجتماعية وخدماتية تبدو الطبقة السياسية عاجزة عن التعامل معها، وبعضها أزمات حقوقية وقانونية، وبعضها الآخر – وهو ما تتطرّق إليه هذه العجالة - أزمات مرتبطة بالانقسامات وبتعثّر النهوض بالبلاد وإدارتها في ظل اللاتوازن داخلها وارتباط أبرز "المتعاقدين" فيها بالخارج واستراتيجياته.
والأزمات هذه، في ما هو أبعد من راهنها ومخاطره، تعكس تحوّل الانقسامات العامودية في المجتمع اللبناني الى انقسامات سياسية حادة تُقاس معها أبرز الأمور وتُحسب عليها الإخفاقات والانجازات. هكذا، يبدو اتفاق الطائف وما تلاه من صعود نجم الرئيس رفيق الحريري في حقبة التسعينات تقدّماً سنياً، ثم يظهر تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي عام 2000 انتصاراً شيعياً، قبل أن تدور العجلة مجدداً فيُعدّ التحرّر من النظام السوري في آذار ال2005 عقب اغتيال الحريري عودةً مسيحية سنية بدعم درزي وبممانعة شيعية الى صيغة العام 1943.
وهكذا أيضاً توضع المحطات الوطنية في خانات الطوائف، فيواجه بعضُها بعضاً ويُصاب البنيان اللبناني بالمزيد من الوهن.
وإذا كان الاكتفاء بالتشخيص، إن صحّ، لا يكفي، فإن مقاربة بعض العوامل المؤثّرة في أحداث السنوات الخمس الأخيرة، أي بعد الخروج السوري اللاحق للخروج الاسرائيلي، تفيد لتفسير جوانب من واقعنا المأزوم اليوم.
ذلك أننا كلبنانيين وجدنا أنفسنا فجأة بعد نيسان 2005، ولأوّل مرة منذ عقود، في لحظة إعادة تأسيس لحكم وطني منكشف على توازنات سياسية وديموغرافية داخلية جديدة تقدّمت فيها المذهبية على الطائفية وانخرط فيها عنصر جديد يملك وحده بين العناصر تعبئة إيديولوجية وعسكرية. كما وجدنا أنفسنا عرضة لحملة دموية أصابت بالاغتيال عدداً من خصوم النظام السوري في لبنان (وأعداداً أخرى من المواطنين)، وتلتها حرب إسرائيلية ضارية زادت من عمق الشقاق الوطني نتيجة الانقسام حول مسؤولية حزب الله فيها. فبانت هشاشة قدرتنا على التأسيس لمرحلة جديدة وبان وقوعنا تحت رحمة الصراعات الإقليمية وتبعاتها.
الأخطر من ذلك، تحوّلت الهشاشة الى صدام داخلي لجأ حزب الله من بعده الى العنف سبيلاً للحسم. فصار الخوف من النزاع الأهلي المستديم ضابط الحياة السياسية والشبح المخيّم فوق مختلف استحقاقاتها. كما صار الاستنجاد بالخارج أو الاستسلام للمزيد من تدخّلاته سلوكاً عاماً، تماماً مثل انتظار صفقاته وتسوياته...
لهذا، يمرّ عيد الاستقلال علينا اليوم، وبلدنا ما زال يتنقّل من انتظار الى آخر.
يعود العيد ناقصاً، عليلاً، غير بادية عليه علامات شفاء قريب. لكنه يعود، وفي العودة ما يحفّز غالباً على الاستمرار.
زياد ماجد