تذكّرنا إيران أحمدي نجاد، بشكل إطلالات نظامها خارجياً وكرمه ودعمه للحلفاء والأشقّاء وبحثه عن شوارع تصفّق له - مقابل شوارع طهران وجامعاتها التي ضاقت بمن ينادي بإسقاطه وبسرقته الانتخابات - بعدد من الحالات التي لم تتقادم الأيام على انهيارها أو تحوّلها الى هزل وفولكلور.
أول هذه الحالات وأهمّها، هو الاتحاد السوفياتي.
أول هذه الحالات وأهمّها، هو الاتحاد السوفياتي.
فالأخير، نصير شعوب العالم على ما كان يُقال، قدّم المساعدات والمعونات شرقاً وغرباً، وبنى أكبر أمبراطورية في العصر الحديث، مدجّجة بجيش أحمر صاروخي ونووي، منتشر في بلدان قريبة وبعيدة، وبإدارات تقدّم المنح لعشرات ألوف الطلاب ولحكومات وأحزاب حول العالم بأسره. لكنه نسي أن ثمة شعباً داخل حدوده المتناثرة يريد تحسين مستوى عيشه، ويريد الحرية ولا تغنيه خطابات المساواة والرفاقية عن حقوق الانسان المنتهكة عنده، ولا تحوّل الدعاية البرافدية أنظاره عن الفساد والزبائنية والاستبداد وعن مصادرة "المكاتب السياسية" برجالها الرماديين للسياسات والاقتصاد واحتكارهم معرفة مصالح "الجماهير" بعمّالها وفلاحيها وطلاّبها.
فكان أن نسيانه هذا، مضافاً الى آثار الهندسة "الديموغرافية" الستالينية والى الحرب الباردة والتحديات المتعاظمة وأعبائها، حطّمه وحوّله أثراً بعد عين، تاركاً المجال لكل أشكال السلفيات لتتنازع الأقوام والناس التي كانت ذات يوم حاملة أعلامه.
ثاني هذه الحالات، وهو كاريكاتور عن النموذج السوفياتي، هو العراق في ظل صدام حسين التكريتي الذي عمّم خطاباته وصوره وشعاراته على العديد من الأرجاء العربية، وراح "بعثه" يوزّع النقود والوقود والوعود، قبل أن يدخل ميادين الحروب الواحد تلو الآخر، فينتهي قادته على حبل المشنقة وتصبح بغداد وحواضر ما بين النهرين نهباً للحرب المذهبية وللثأر الدموي (والإجرامي) الأهلي ولكل أشكال التكفير وعملياته الانتحارية. ولتصبح أيضاً، بعد عقود من عهد الاستقلالات، محتلّة عسكرياً يخشى قسم من أبنائها على مصيرهم إن هم انكشفوا وحيدين بعد جلاء الاحتلال على مشاعرهم "الوطنية والقومية".
ثالثة هذه الحالات، والمستمرة (على احتضار) حتى اليوم، هي الحالة الكورية الشمالية التي لم يهدأ لمؤسسها كيم إيل سونغ ثم لوريثه جونغ إيل بال قبل نشر أحاديثهما وتأمّلاتهما وأخبار "إنجازاتهما" الذرية باللغات جميعها، في وقت كانت المجاعة تعصف بقومهما، وتدفعهم كل يوم الى التفكير أكثر بالهروب من جنة بيونغ يانغ الى جحيم سيول!
أما رابع هذه الحالات، فحالة ليبيا الكتاب الأخضر، التي ابتكر قائدها نظاماً سياسياً أغنى به حقل العلوم السياسية، موزّعاً عطاءاته على مراكز أبحاث وصحف وأحزاب وميليشيات ومؤتمرات في دنيا العرب والأفارقة، وأحياناً في الغرب نفسه، قبل أن يتقاعد عن مدّه الثوري ليتحوّل الى وحدوي أفريقي والى صندوق تعويضات لضحايا طائرات مدنية أُسقطت، والى خيمة وعرض أزياء وصداقات مع "الأعداء التاريخيين".
أما رابع هذه الحالات، فحالة ليبيا الكتاب الأخضر، التي ابتكر قائدها نظاماً سياسياً أغنى به حقل العلوم السياسية، موزّعاً عطاءاته على مراكز أبحاث وصحف وأحزاب وميليشيات ومؤتمرات في دنيا العرب والأفارقة، وأحياناً في الغرب نفسه، قبل أن يتقاعد عن مدّه الثوري ليتحوّل الى وحدوي أفريقي والى صندوق تعويضات لضحايا طائرات مدنية أُسقطت، والى خيمة وعرض أزياء وصداقات مع "الأعداء التاريخيين".
قد يُقال إن المقارنة بين إيران والحالات المذكورة فيها مبالغات وإسقاطات لا علاقة لها بالواقع الإيراني الراهن، وهذا صحيح فقط إن قارنّا المجتمع الإيراني المتحرّك والرافض للقمع وللتزوير مع مجتمعات الدول التي أفلت أو المستمرة في نكبتها بقادتها
لكنها مقارنة تستقيم في حالة الأنظمة التي ادّعت جميعها، كما نظام نجاد اليوم، الحق المطلق، فقرّرت تحديد الجبهات ومواضع المواجهات، إن عندها أو غالباً عند الرفاق والأخوة اليافعين، ثم أنفقت المليارات، قبل أن تنطفئ أو تتغيّر أو تنكفئ...
زياد ماجد