يمكن القول دون خشية تعميم إن جميع
الحركات الأهلية المسلّحة التي نشأت في العالم العربي منذ أواخر السبعينات (أي بعد
انتصار الثورة الإيرانية من جهة وانطلاق الجهاد الأفغاني من جهة ثانية) هي حركات
إسلامية المرجعية.
فمن لبنان (حزب الله) وفلسطين (الجهاد
وحماس) الى مصر (الجهاد والجماعة) والجزائر (الجيش الاسلامي للإنقاذ) وصولاً الى
العراق، لم ينشأ تنظيم مسلّح واحد (خلال تمرّد على سلطة أو نزاع أهلي أو قتال مع
إسرائيل أو مع الأميركيين)، ولم تتحوّل قوة سياسية الى العسكرة إلّا بهويّة أو
شعارات إسلامية. أمّا من كان من الأحزاب اليسارية والحركات الوطنية يملك أجنحة
عسكرية، فقد انكفأ عن العمل المسلّح إبتداءً من منتصف الثمانينات، وانتهى حضوره
تماماً في التسعينات بعد تلاشي الدعم الخارجي (السوفياتي) له وضمور جمهوره وتعرّضه
للقمع والتهميش. ولم تشذّ عن هذه القاعدة سوى حركة فتح (ومعها بعض
التنظيمات الفلسطينية).
ومع انطلاق الثورات العربية عام
2011، وتحوّل اثنتين منها الى الكفاح المسلّح نتيجة همجية النظامين في طرابلس
الغرب ودمشق، ظهر مع الوقت ما يؤكّد استمرار المعادلة هذه، لا سيّما في سوريا. فرغم
المظاهر المدنية السلمية للثورة هناك، المتواصلة على نحو لم تشهده أي ثورة في
التاريخ الحديث (معدّل يفوق ال200 مظاهرة كل أسبوع منذ 21 شهراً)، إلا أن العمل
العسكري تحوّل منذ عام تقريباً الى العنصر الحاسم في مواجهة مجازر النظام وفي مسار
تحرير البلاد. ولأنّ حاجة هكذا عمل للموارد كبيرة، ولأن الدعم الدولي النوعي للقائمين
به شحيح (مقابل دعم روسي وايراني ضخم للنظام)، إتّكل الثوار المسلّحون في مقاومتهم
على بعض الدول الخليجية، وعلى المموّلين الأخوانيين أو المحسوبين عليهم. وأضيف الى
هذا أن شدّة العنف وأهواله وطقوس الموت اليومي والشعائر المرافقة لكل تشييع، معطوفة
على البيئة الاجتماعية والثقافية المحافظة في المناطق الريفية أو الطرفية حيث تركّز
القتال قبل اندفاعه نحو المدن، وسّعت من اعتناق "الأسلمة السياسية"،
فصار الجناح العسكري في الثورة اليوم، بقواه الأكثر تماسكاً وتجهيزاً إسلاميّ
الطابع، وأكّد بالتالي استمرار السمة الإسلامية الطاغية على الحركات المسلّحة في
المنطقة منذ الثمانينات، ولو لأسباب وأهداف وظروف مختلفة.
ما الذي يمكن استخلاصه من عرض
كهذا؟
أمران أساسيّان. الأول، أن
تحوّل الاحتقانات السياسية والانتفاضات الى نزاعات عسكرية طويلة الأمد يؤدّي حكماً
الى تعاظم قوة الأكثر قدرة على حشد الموارد المالية والتعبئة البشرية ومواجهة
الخوف والاستعداد للموت والقتل. وهذا في ذاته، صار مدعاة صعود للإسلاميين بمختلف
تشكيلاتهم، حتى في البلاد حيث لا يستطيعون لوحدهم احتكار المشهد الشعبي.
والثاني، أن الموقف من نظام وحشيّ
ومن مسؤوليّته عن تحوّل الانتفاضات والاحتجاجات الى العمل العسكري لا يرتبط شرطاً بهويّة
من يقاتله. فالموقف من الاستبداد هو موقف سياسي-أخلاقي أوّلاً وآخراً، وكلّ ما جرى
الحشد في وجهه والتسريع في إسقاطه كل ما جرى الحدّ من صعود القوى المتطرّفة ومن
تعاظم المشاكل وتناسلها والتردّد تجاهها. والعكس صحيح...
زياد ماجد