يُعاني حزب الله منذ بدء الثورات العربية من مشكلة
كبيرة. مشكلة تتخطّى خسارته لحلقة الوصل السورية بإيران، مركز تسليحه وتجهيزه
وتمويله الأبرز. ومشكلة تتخطّى القسمة اللبنانية التي تمنع عنه، رغم كل التحالفات،
التمدّد خارج الاجتماع السياسي الشيعي وتُبقيه حزباً لا يمثّل إلّا أكثرية مذهبية واحدة
في البلد.
مشكلة الحزب الكبيرة هذه الأيام تكمن في عودته الى
حجمه "الطبيعي" بعد تضخّم أصابه وأصاب صورته وجعله يظنّها الصورة
الراسخة. ذلك أنه كان بين العامين 2000 و2010 نتيجة غياب السياسة في الدول العربية
وانتفاء الحرّيات، محطّ أنظار لقطاعات واسعة من الناس المحرومين من البحث في
شؤونهم والواجدين فيه لاختلافه الظاهري عن السائد من القوى والنخب السياسية الحاكمة
ولِقتاله إسرائيل ظاهرةً جذّابة ومدعاة للتقدير.
على أن الثورات التي استعاد المواطنون عبرها
السياسة والأولويّات الوطنية وانتخاب ممثّليهم وتعقيدات المشاكل والخيارات، وموقف
حزب الله الساذج منها بدايةً والمتعامل معها بوصفها اعتراضاً على سياسات خارجية
لحكّام (وليس على استبداد وقهر وفساد)، ثم تحوُّل موقفه هذا الى موقف مذهبي يوالي
واحدة ويعارض ثانية، جعله يفقد معظم بريقه. ولم تنفع الإطلالات المتكّررة (على غير
عادة) لأمينه العام في تغيير مسار الأفول أو حتى لَجمه. كما لم تنفع طائرة "أيوب"
ولا تهديد إسرائيل وشتم أميركا. فدماء عشرات الألوف من المواطنين السورييّن
الثائرين الذين يناصبهم العداء كانت قد أنهت كثرة من الأوهام. وإدارة حركة حماس
للمعركة الأخيرة في قطاع غزة بوصفها شأناً فلسطينياً يجري التنسيق فيه مع بعض
الدول العربية (وليس معه أو مع نظامي الأسد وطهران) جعلته خارج المعادلة التي
لطالما ادّعى أنه الأكثر ارتباطاً بها وإقداماً من أجلها. ولم يبدّل في الأمر
تذكيره بتهريبه السلاح من مصر الى القطاع وقوله بمصدر الذخائر. فالأمر كان من
مرحلة سابقة عصفت بها التحوّلات، واستنزف الحزب بعد العام 2011 ما كان يملك من
رصيد فيها.
بهذا، عاد حزب الله منذ عامين الى حقيقة أنه مجرّد
لاعب سياسي في واحد من أصغر بلدان المنطقة. وصارت محاولاته التمسّك بدور الأبوّة
تجاه الشعوب العربية كاريكاتورية حين نتذكّر أنه وكامل جمهوره اللبناني أصغر حجماً
من مدينة حمص، وأصغر من مظاهرة في ميدان التحرير القاهري، وأقل ممّن يمكن لاتحاد الشغل
التونسي وسائر النقابات تعبئتهم. ولا تكفي صواريخه الإيرانية لتعويض هذا، ولا تهويله
بالمؤامرات وتهديده بالحروب. فالجوعى للحرية، ممّن وجدوا في الفعل السياسي في
أوطانهم وفي استعادة الشأن العام عندهم والسعي لتجديد نُخبهم ضالتّهم، صارت فلسطين
لهم قضية في ذاتها وليست "بدلاً عن ضائع" سياسي (محلّي). ولم يعد
التلويح بها لفرض الصمت أو لتبرير المجازر والهمجية يُجدي، ولَو رافقه صراخ أو رُفعت
من أجله سبّابات متضخّمة...
زياد ماجد