ثمة مستويان في التعاطي مع
جريمة بحجم تلك التي استهدفت العميد وسام الحسن ونجحت في إقصائه عن ملفّات كانت
إنجازاته فيها تعيد الاعتبار لمعنى مسمّى "رجل الأمن" الذي يحول دون
تمكّن القتَلة من الوصول الى غاياتهم، أو يطاردهم مباشرة إن هم وصلوا.
المستوى الأوّل سياسي، ومفاده
قراءة الحدث المأساوي الذي أرداه ورفيقه ومواطنتين، بمدلولاته ثم بما تبعه من
مواقف. والمستوى الثاني أخلاقي، على صلة بردود فعل بعض اللبنانيين، ممّن أدمنوا
على مدى سنوات طويلة شتم الرجل واتّهامه بالعمالة والخيانة.
في المستوى الأول، لا بدّ من
التأكيد على استحالة فكّ الارتباط بين عمل الشهيد الحسن منذ أواخر العام 2004 على
ملفّات الاغتيال في لبنان، ومؤخّراً على ملف قنابل سماحة – مملوك، وبين حادث
الاغتيال الذي طاله. ففلسفة القاتل تقوم في جانب منها على شطب من يحاول ردعه، وقد
سبق ومارسها مع وسام عيد، ونجا منها سمير شحادة. أما بالنسبة للنتائج والتداعيات، فالأمور
شديدة التعقيد، وحصرها من قبل قوى 14 آذار (التي لطالما استهدفها القتل أو
محاولاته) بمطلب إسقاط الحكومة يبدو أقرب الى ردّ الفعل الإنفعالي منه الى تقدير
الأمور بدقّة وحساب احتمالات الربح والخسارة وتحضير البدائل.
فمَن يضمن مِن المطالبين
باستقالة الحكومة الحالية النجاح في تشكيل حكومة جديدة "مقبولة" سياسياً،
إن تمّت الاستقالة، وهو بلا أكثرية نيابية وتحت رحمة النصاب في جلسات البرلمان؟
ومن يضمن بعد ذلك، إن نجح التشكيل، أن تكون الحكومة المقبلة ضمانة أمنية له وقد
جرت الاغتيالات في السابق في حكومات كانت رئاستها "مضمونة"؟ ثم هل
احتمال تصريف الحكومة الحالية الأعمال بانتظار تكليف جديد قد يطول (وما يعنيه
الأمر من فراغ مؤسساتي) هو أكثر فائدة للنظام السوري وحلفائه أم للمعسكر
الاستقلالي؟ وإن كان اعتبار حزب الله حاكماً للبلاد في كل الأحوال – على ما يردّد
بعض قيادات 14 آذار – فلمَ إذن البحث في تبديل الحكومات عوض التركيز على خطط أمنية
للجيش وقوى الأمن الداخلي وحملات مواطنية مدنية تواكبها رفضاً للمظاهر المسلّحة ولمخازن
الأسلحة في المدن كما في مختلف المناطق؟
قد لا يتقبّل المنفعل والمقيم
تحت حدّ السيف أسئلة يعدّها باردة، لكن يبقى للبحث فيها جدوى تستوحي تجارب سابقة
(لم تكن ناجحة، وليس شعار "انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً" عام 2007
سوى واحدها) وتُتيح هامش اجتهاد يخطئ أو يُصيب. على أنّ ما لا هوامش واجتهادات
فيه، هو المستوى الثاني الذي أشرنا إليه في مستهلّ هذا النص، أي المستوى الأخلاقي.
ذلك أن الانحطاط الذي بلغه المحتفون بالاغتيالات والمخوّنون قبلها لمن اغتيل غير مسبوق.
وأصحابه الذين اتّهموا الشهيد الحسن "بالعمالة لإسرائيل وأميركا" على
مدى سنوات، سارعوا الى اتّهام إسرائيل نفسها بالاغتيال متذكّرين بعد تناسٍ طويل أن
الراحل عمل أيضاً مع زملائه على تفكيك شبكات إسرائيلية!
في أي حال، وفي السياسة كما في
الأخلاق، تتداخل الأمور اليوم أكثر فأكثر في لبنان وفي سوريا وتتوضّح مختلف
المواقف والانحيازات. ذلك أن لا استقرار ولا حرية يمكن توفّرهما في أيّ من البلدين
قبل سقوط القاتل الواحد، المنفلتة نيرانه في دمشق وفي بيروت...
زياد ماجد