من
المرجّح أن حزب الله لم يشارك مباشرة في القمع والقتال الى جانب النظام السوري بين انطلاق الثورة في آذار 2011 وبلوغها شهر حزيران 2012. كان "يكتفي" عبر أمينه
العام ومسؤوليه بتأييد النظام الهمجي ودعمه سياسياً ومعنوياً، على أساس أن مصدر رعايتهما
المشترك في إيران يتكفّل بالواجب الميداني لجهة المال والعتاد وتقنيات التجسّس الالكتروني
ومشورات الاستراتيجيات القمعيّة الأكثر فاعلية، مكمّلاً بذلك الدعم الروسي بشقّيه الديبلوماسي
الثقيل والعسكري الأثقل. لكن
أمراً ما تبدّل في شهر حزيران الفائت في طهران وجعل الانخراط الايراني في المعركة أكبر،
إن إنفاقاً وتسليحاً أو إرسالاً للخبراء ثم لبعض الوحدات القتالية.
ويمكن نسب
التبدّل هذا الى تقدّم الخيار الايديولوجي على البراغماتية داخل المؤسسات
الإيرانية بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة من ناحية، والى الاطمئنان من أن لا
ضربة عسكرية إسرائيلية-أميركية قريبة من ناحية ثانية، والى القلق من التطوّرات على
الأرض السورية من ناحية ثالثة نتيجة الإرهاق الذي بدت قوات الأسد تعاني منه في ظلّ
العجز عن فرض الخدمة العسكرية وإجراء التبديلات الضرورية على التشكيلات القتالية
المستنزَفة. وهو ما أنتج سياسة "الاحتلال الناري" المُعتمدة منذ ذلك
الوقت، أي تعويض القتال المباشر والانتشار المكتمل على الأراضي السورية بعمليات
القصف الكثيف (البرّية والجوية) لإحداث أكبر دمار وأذى ممكن في المناطق الثائرة واستعادة
بعضها أرضاً محروقة أو وقف تقدّم المعارضين من بعضها الآخر نحو محيطه.
ويبدو
أن التبدّل في الانخراط الإيراني هذا طال حزب الله إبتداءً من تموز، وأربكه. ذلك
أنه يدرك آثاره المحلّية الكارثية، خاصة أنه كان في الأشهر الطويلة السابقة في
تواطؤ مضمر مع أطراف لبنانية عديدة بهدف تجنيب بيروت وأكثر المناطق تبعات الاحتقان
السني الشيعي السابق على الثورة السورية والمتصاعد في ظلّها. من هنا، إدار سياسته المستجدة
بحذر ومرونة تمهيداً لتبرير حضوره داخل الأراضي السورية. فصمت مثلاً تجاه توقيف
ميشال سماحة والادّعاء على علي مملوك (وقد يكون غير راضٍ أساساً على مخطّطهما لأسباب
مرتبطة بالاستقرار الحكومي الذي يدير). ثم اندفع في مظاهرات مفاجئة "نصرة للرسول"
(ردّاً على مَشاهد فيلم البلاهة عن النبي محمد) ليقول إنه لا يقلّ دفاعاً عن
"كرامة المسلمين" من نظرائه الإسلاميين السنّة، في ظل طغيان شيعيّته
وإيرانيّته على صورته "المقاومة" في معظم الحواضر العربية منذ اتّضاح
موقفه من الثورة السورية. وبعد ذلك، راح يُكثر من الحديث عن تواجد من يسمّيهم
ب"التكفيريين" في سوريا وعن تهريب أسلحة من البقاع الشمالي الى حمص وعن
تهديدات يتعرّض لها لبنانيون مقيمون على مقربة من الحدود داخل الأراضي السورية،
ليتبيّن أنه في الوقت نفسه كان قد أرسل كوادر أمنية ومقاتلين الى منطقة القصير
(وبعض المناطق المحيطة بدمشق.
إذا
صحّ ما ذكرنا، وتأكّد فعلاً أن قتلى الحزب الذين شيّعهم في الأسبوع الأخير سقطوا
وهم يشاركون بحرب نظام الأسد ضد الشعب السوري، نكون اليوم أمام احتمال مصائب جديدة،
في سوريا كما في لبنان، يستجلبها حزب الله وسلاحه. وفي هذا ما سيتخطّى سقوطه
الأخلاقي المدوّي الذي شهدناه منذ زمن الى السقوط الجرمي المباشر وما قد ينتج عنه
من فِتَن وضحايا...
زياد ماجد