بعد حوالي عشر سنوات على جريمة 11 أيلول المروّعة، قتلت القوات الأميركية الخاصة أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة المسؤول عن الجريمة والمموّل لها. هكذا، ثأر الأميركيون من قاتل الألوف منهم، فقتلوه.
يمكن طبعاً القول إن القبض على الشيخ أسامة وإحالته الى محكمة وإنزال القصاص فيه بوصفه مجرماً ضد الإنسانية كان من وجهة قانونية أكثر عدلاً. لكن ذلك، على وجاهته، لم يعد ذا قيمة، إذ أن الرجل صُرع والأنسب اليوم التركيز على شؤون ثلاثة مرتبطة به وبما تأسّس على فعلته من مصائب من جهة، وبموقعه وموقع تنظيمه في المشهد العربي الراهن من جهة ثانية.
في الشأن الأول، يمكن القول من دون مبالغة إن أول من دفع ثمن جرائم بن لادن في نيويورك وواشنطن وبنسلفانيا كان – بَعدَ من قُتل فيها – الفلسطينيون ونضالهم الوطني. ذلك أن المقتلة في الطائرات والبرجين حجبت الجرائم الإسرائيلية في الضفة الغربية وغزة، وسمحت لإسرائيل ببناء تماهٍ أمني بين حربها على الانتفاضة الثانية التي كانت قائمة يومها، والحرب الأميركية-الغربية المنطلِقة على الإرهاب، والمجتاحة أفغانستان ثم بحماسة أقلّ العراق. وساعدتها بذلك بعض العمليات الفلسطينية العشوائية.
وفي الشأن الثاني، أن "غزوة مانهاتن" البن لادنية فتحت الباب أمام غزوات طالت مدريد ولندن ثم مدناً مغربية فإندونيسية وأردنية قبل أن تحطّ رحالها في العراق، وتساهم في تحويله الى أرض ذبح وتفجيرات واقتتال، بحجة الجهاد ومقاومة الاحتلال. بذلك، أسّست 11 أيلول لمفهوم جديد للقتل يقوم على الإيحاء به تسجيلاً صوتياً أو مصوَّراً، والتأثير فيه من خلال مشهديّة نارية مبهرة، ثم ترك ممارسيه يتحرّكون حاملين عدّته في حقائب على ظهورهم، يدخلون فيها مترو أو حانة أو فندقاً أو سوقاً مكتظاً فيفجّرون أنفسهم بطرائد لا ذنب لها سوى أن توقيتاً وحركة جمعاها في موضع واحد مع الموت وصنّاعه. وهذا يعني أن بن لادن مؤسس "طريقة" في القتل أكثر منه قائداً لمنظمة قاتلة. وبالتالي، فرمزية صرعِه تبدو أعلى شأناً من فاعليّة مكافحة نهجه الهمجي ومقلّديه.
أما في الشأن الثالث، فإن القضاء على بن لادن يبدو اليوم في مشهد العالم العربي (المفتَرض أنه معني به) حدثاً سياسياً عابراً على هامش الأحداث، تماماً كما كان بن لادن نفسه وتنظيمه وجميع السلفيين الجهاديين المتأثّرين به تفاصيل باهتة في ربيع الحرية الذي افتتحته تونس وأكملته مصر وما زالت اليمن وليبيا وسوريا والبحرين على اختلاف أوضاعها وظروفها تحاول التقاط نسائمه. ظهَر الإسلام البن لادني حدثاً عابراً حين نزل الناس الى الساحات مطالبة بحقوقهم، المناقِضة لما تُعليه "القاعدة" من "قِيم" بقدر تناقضها مع حكم أنظمة القمع والفساد. بدا بن لادن من كوكب آخر، من زمن آخر لا شيء يربط بينه وبين ساعات ملايين المتظاهرين في ميدان التحرير أو ساحة التغيير أو أرض درعا...
مات بن لادن إذن في الوقت الضائع. تماماً كما عاش في الوقت الضائع. لكن بين وقت موته في لحظة انشداد جيل عربي جديد نحو المستقبل، ووقت عيشه في لحظة سَكَن الماضي في الحاضر، مسافة كبيرة. تماماً مثل تلك التي تفصل فضاء الفايسبوك واليوتيوب، عن أقبية السجون وغرف المخابرات وسراديبها.
زياد ماجد