يحمل
شهر آب للسوريين الكثير من المآسي. فقبل عامين، ارتكبت الفاشية الأسدية جريمتها
الكيماوية الكبرى في غوطَتي دمشق ونجت من العقاب بصفقة أميركية روسية. والعام
الماضي صعّدت الفاشية إياها من إجراءات الحصار والتجويع ضد العديد من المناطق
المحاصرة، ولم يردّ مجلس الأمن على الأمر رغم قراره رقم 2139 القاضي بإيصال
المساعدات الغذائية والطبية الى المناطق المذكورة. وهذا العام ارتكبت الفاشية
الأسدية مجازر جديدة متنقّلة بين دوما ودرعا وغيرهما من المدن والبلدات، ولم يصدر
عن مبعوث الأمم المتّحدة الخاص لسوريا ستيفان دي مستورا سوى تنديد خجول، في حين اكتفى
مفوّض الشؤون الإنسانية ستيفان أوبراين الموجود في دمشق للقاء مرتكبي المجازر بالقول
إنه "مذهول أمام الجرائم ضد المدنيّين".
كيف
يمكن تفسير هذا السعار الإجرامي الأسدي في شهر آب، وكيف يمكن فهم الصمت المديد لما
يُسمّى "مجتمعاً دولياً" تجاه المذابح؟
تبدو
الإجابات المُحتملة على هذين السؤالين تِكراراً لما سبقت الإشارة إليه في عشرات
المقالات في السنوات الماضية. ويبدو السجال حول المسألة السورية مع مُريدي النظام
الكيماوي أو المحايدين تجاهه عقيماً إذ أن مزيج الوضاعة والطائفية والبلاهة الذي
يميّزهم لا تؤثّر فيه مجزرة هنا أو مذبحة هناك. وما استخدام هؤلاء لذريعة
"داعش" أو ذكرهم لبعض الممارسات الإجرامية لعددٍ من فصائل المعارضة
السورية المسلّحة لتبرير مواقفهم اليوم سوى إغراق في مزيجهم الكريه، ليس لأن
"داعش" لم تكن موجودةً عامي 2011 و2012 ولم تكن ذات تأثير كبير عام
2013، وليس لأن جرائم بعض فصائل المعارضة في العامين الأخيرين أردت مئاتٍ من
المدنيين مقابل أكثر من 150 ألف مدنيّ قتلهم النظام في السنوات الأربع الأخيرة، بل
لأن الموقف من النظام هذا سابق أصلاً على كلّ ذلك. فهو مرتبط ببنية الحُكم الأسدي وأجهزة
مخابراته منذ أواسط سبعينات القرن الماضي، ومرتبط بمجازره في سجن تدمر وفي مدينة
حماه، ومرتبط بمئات ألوف المنفيّين والمسجونين السياسيين على مدى عقود، ومرتبط
بالفساد والاغتيالات والمافيات وتدمير المجتمع السوري ونهبه، ومرتبط بـ"فرع
فلسطين" وباجتياح لبنان وبحروب المخيّمات، ومرتبط بثقافة ربط البلاد باسم
العائلة الناهبة والقاتلة والتهديد بإحراقها إن جرى تحريرها من ذاك الربط
المُشين...
لكن
بالعودة الى سؤالَي السعار الأسدي في آب والصمت الدولي تجاهه، يمكن الاكتفاء
بإيراد سبب واحد: نجاة الأسد في آب 2013 من جريمته الكيماوية التي تجاوز عبرها
الخطّ الأحمر الأميركي الوحيد الموضوع أمام إجرامه. فالنجاة تلك جعلت كل إجرام
لاحق يمرّ بالحدّ الأدنى من الاكتراث الدولي، وشجّعت الأسد على الاستمرار في جرائمه
وعلى الاحتفال الدموي سنوياً بقدرته على النجاة من تبعاتها. وبالطبع، لم يفعل
الهوس الأميركي والغربي بـ"داعش" ومحاربتها بدءاً من صيف العام 2014 سوى
تكريس هذا الواقع وإظهار تراجع الاهتمام (أو انتفائه) بسوريا وبمصير السوريين.
من
هنا، يُرجّح أن تستمرّ الأحوال السورية على ما هي عليه من أهوال في الأشهر
المقبلة. فالتطوّرات الميدانية لن تكفي وحدها لحسم الأمور في ظلّ غياب الأسلحة
المعطّلة للطيران والحامية للمدنيّين من براميله. وجميع التسويات المقترحة
والمبادرات المطروحة لن تُفضي الى نتيجة طالما أنها لا تنطلق من أولويّة طيّ الصفحة
الأسدية كشرط شارط لبدء مرحلة انتقالية، ثم لحشد الجهود في مواجهة الوحش الداعشي...
زياد ماجد