في مثل هذه الأيام من العام 2006، أضاع اللبنانيون فرصة
كبيرة لمصالحة إنجازاتهم والتوحّد ولو لفترة في مواجهة استحقاق خطير فُرض عليهم.
فبعد إنجاز التحرير من الاحتلال الاسرائيلي عام 2000
والفشل في الاستفادة منه للخلاص من التوظيف الإقليمي للساحة اللبنانية، وبعد إنجاز
الاستقلال الثاني عام 2005 وطيّ سنوات هيمنة النظام السوري ومخابراته على الحياة
السياسية، انقسم اللبنانيون وتعذّر بناء إجماع وطني يتيح التأسيس لعقد جديد بينهم.
ولا شكّ أن حزب الله يتحمّل المسؤولية الأولى في ذلك نتيجة معاداته الانجاز الثاني
واعتباره مناقضاً للأوّل، ونتيجة تمسّكه بالسلاح ورفضه وضعه في أمرة الدولة
(المشارِك في جميع مؤسساتها) وتفويضها وحدها إدارة قرارات السلم والحرب.
وقد ظهّرت عملية الحزب العسكرية في تموز 2006 ثم الحرب
الإسرائيلية الواسعة النطاق التي تلتها عمق المأزق اللبناني وحجم ارتباط شؤونه بأوضاع
المنطقة ومحاورها.
فحزب الله خاض حرباً لم يكن للبنانيّين ومؤسسات دولتهم
السياسية والعسكرية علم بالتحضير لها ولا دور في إدارتها. وإسرائيل استهدفت البنى
التحتية اللبنانية عامة، وقصفت بشكل مركّز مناطق الأكثرية الديموغرافية الشيعية في
الجنوب والبقاعين الشمالي والغربي وضاحية بيروت الجنوبية، والقوى السياسية استكملت
انقسامها. حزب الله أعلن أن "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة" مخوّناً كل
منتقديه، وأكثرية قوى 14 آذار إرتبكت بين خوفها من كوارث الحرب ورغبتها المضمرة
برؤية الحزب مهزوماً كي يُتاح الوصول الى حلّ معه لقضايا سلاحه ودوره السياسي
ودعمه لنظام الأسد المتّهم بالاغتيالات (وتبيّن لاحقاً أن كثرة من
"حلفاء" الحزب كانوا يتمنّون الأمر نفسه!)
بذلك، لم يشأ حزب الله في لحظة الحرب التي فرض توقيتها مصالحة اللبنانيين من غير جمهوره واستبدل
الأمر باتّهامهم بالخيانة والتحريض عليه. ثم عمد بعد نهاية الحرب الى تحويل صموده
العسكري فيها الى منطلق لتهديد الداخل الوطني بالسلاح ذاته الذي قاتل به
الإسرائيليّين. من جهتها، فوّتت قوى 14 آذار فرصة التواصل مع "القاعدة" الموالية
لحزب الله كما مع البيئة الشيعية الأوسع التي لم يكن الحزب قد استقطبها تماماً بعد،
والتي أحسّت بتنصّلٍ 14 آذاري منها جعل دعاية الحزب لاحقاً عن "تآمرها مع
العدوّ" أكثر قابلية للتصديق في أغلب أوساطها.
هكذا انتهت الحرب الى تعزيز للفرقة بين معسكرين، ولم
تنفع الأصوات التي حاولت التمييز بين الحزب في وظيفته العسكرية – السياسية الخطيرة
على لبنان لارتباطها الايديولوجي والمادي ولتمركز قراراتها الاستراتيجية في طهران
(ثم في دمشق)، وبين جمهور لبناني يتعرّض لعدوان إسرائيلي لا ينبغي
"تلزيمه" للحزب (أو الاستسلام لهكذا تلزيم) لمجرّد كونه شيعياً.
في المحصّلة، كشفت حرب تموز 2006 الهشاشة اللبنانية مرة
إضافية. ولم تعدّل نتائجها المأساوية إنسانياً واقتصادياً في القسمة السياسية. لا
بل عمّقها أكثر إعلان "النصر الإلهي" والتعبئة على أساسه لإسقاط النصاب "الميثاقي"
عن المؤسّسات الدستورية. فتعطّلت بعد تلك الحرب الحكومة ثم تعطّل البرلمان ومُدّد
فراغاً للرئيس المُمدّد له أصلاً، واستمرّت المراوحة على هذا النحو لسنوات، ما زال
في الواقع اليوم الكثير من أصدائها...
زياد ماجد