ثمة خوفان يجري التسويق لهما في سوريا، أو ربطاً بأحداثها وبثورة شعبها.
الأول هو خوف "الأقليّات". وهو خوف تحوّل اليوم من خشية مشروعة من الاضطهاد والتهميش في منطقة تذوق طعم الاستبداد منذ زمن بعيد الى ما يشبه الدعوة للتنكيل بالأكثرية ودعم "الأقلّويين" المنكّلين بها بحجة القلق على المصير إن هي حكمت! المطلوب صار إذن بحسب هذا المنطق، الدفاع عن نظام يسحق أكثرية الناس بحجّة أنهم إن نجحوا في نيل حقوقهم وفي تكوين سلطة شرعية تنبع من إرادتهم، فستكون "الأقليات" في خطر.
والخوف الثاني، هو ذلك المُكثر من التحذير من مخاطر الاحتجاجات والانتفاضات على السلم الأهلي في سوريا وعلى الاستقرار فيها. وهو بهذا المعنى، خوف يسأل عشرات ألوف المتظاهرين المطالبين بالحرية وبحقوق المواطنة، وذوي أكثر من ألف ومئتي قتيل و13 ألف معتقل، أن يستكينوا ويرتضوا بما أصابهم ويصيبهم من ظلم وإجرام بحجّة السلم والاستقرار و"ضرورة محو ذيول الأحداث الأخيرة".
بهذا، يصير الخوف الأول - "خوف الأقلّيات" من الاستبداد الافتراضي - مدعاة دعم للاستبداد الفعلي القائم الملتهم ألوف البشر (بذريعة أنهم أكثرية).
وبهذا أيضاً، ينجلي الخوف الثاني - الخوف "على سوريا" - عن حقيقة خوف على النظام السافك دماء الناس فيها، وليس على هؤلاء الناس أو عليها.
وفي الحالين، نحن أمام سقوط أخلاقي أبشع من السقوط السياسي. ذلك أن الخوف إذ يدفع الى دعم القتل، أو الى تحميل القتلى والمعذَّبين مسؤولية النيران المتدفّقة على صدورهم العارية، يصبح تنصّلاً معلناً من المساواة في الإنسانية. ويصبح بالتالي قبولاً بالجرائم والفظائع واستسلاماً لمنطقها الذي، لحسن الحظ، لن ينتصر هذه المرة...
زياد ماجد