Thursday, September 18, 2014

أقلّيات وبربريّات

تتصدّر ثلاث بربريّات مشهد العنف والصراعات في المشرق منذ سنوات.

 

البربرية الأولى هي بربرية الاحتلال الاسرائيلي. بربرية سلطة قامت على مبدأ السطو على الأرض بالقوة وطرد قسم من سكّانها الأصليّين أو عزلهم ومصادرة أملاكهم وتشييد جدران فصل عنصري تحاصرهم وتَحول بينهم وبين حقولهم وعملهم. سلطة تستمرّ بالعدوان ومحاولات التوسّع، خارقة على الدوام القانون الدولي وقرارات الأمم المتّحدة.

البربرية الثانية هي بربرية نظام الأسد في سوريا. وهي بربرية طغمة حاكمة تجاه محكوميها، تُعمل فيهم قتلاً وتعذيباً وتدميراً لمقوّمات الحياة إن تمرّدوا عليها أو طالبوها بحقوق أو بقوانين غير جائرة. والبربرية هذه أشدّ سفكاً للدماء من سابقتها، وعنفها المنهجي – على العكس من عنف البربريّة الأولى - يستهدف بشكل أساسي "مواطنيها" أو من يُفترض بها إدارة شؤونهم العامة.

أما البربرية الثالثة، بربرية "داعش"، فهي أكثر فجاجة وبحثاً عن العنف المشهدي وطقوسه المقزّزة من منافَستَيها. وهي بربريّة تمتزج فيها الماضوية ومخيّلاتها بالحداثة التنظيمية واحترافها الإعلامي، ويجسّد نصل السكين كما فعل الذبح المُصوّر أدوات استقطابها وسبل إرعاب خصومها.

والبربريّات الثلاث المذكورة، الى تشابهها في الاستعداد لاستخدام كل وسائل العنف للحفاظ على وجودها، تتشابه أيضاً في كونها "بربريّات أقلّيات": أقلية دينية أنشأت "دولة قومية" عنصريّة مُعسكَرة وراحت تتوسّع ترابياً على حساب بشر يعيشون حولها؛ نظام أقلّوي (إجتماعياً وسياسياً) منبثق من تركيبة عسكرية-حزبية-طائفية (أقلّوية) ومعتمد على تناسلها في مؤسّساته ليستمرّ؛ وأقلّية إجرامية ضمن جماعة دينية ترى في أكثرية الجماعة نفسها (كما في غيرها من الجماعات) كفّاراً ومرتدّين أو "قليلي دين" يحتاجون الى تقويمٍ وتأديب دائمين.

الملاحظ أن البربريّات الأقلّوية هذه تمارس قتلها بالترافق مع حملات ترويج لكلّ منها تظهرها مخلّصة أو منقذة. فإسرائيل تدّعي الاضطرار الى الإبقاء على الاحتلال حماية لنفسها من "الأكثرية" المحيطة بها، محمّلة هذه الأكثرية مسؤولية دفعها الى مقاتلتها. ونظام الأسد يجد من يكرّر معه ادّعاء حمايته للأقلّيات التي تهدّدها مطامع "الأكثرية" ونزعاتها الاستبدادية إن هو سقط. و"داعش" تدّعي احتكار الدين مجهّلة كلّ من هو خارجها (أقلّية أُخرى كان أو أكثرية) مبيحة أحياناً دمه وأملاكه.

هكذا، تبدو البربريّات المذكورة علامات بارزة في المشهد المشرقي الراهن. وهي إذ تتنابذ أو تتعايش وتتجاور، تتسبّب بسلسلة مآسي لا تبدو نهايتها وشيكة. وكل رهان على واحدة منها ضد أُخرى أو على استقرار في ظلّ تسيّدها وتسلّطها إنما هو عتهٌ سياسي يُضاف الى الوضاعة الأخلاقية، ويُفضي الى إطالة أعمارها والتأسيس لبربريّات جديدة تشبهها...
زياد ماجد