دخل حزب الله في تموز الماضي الحرب
عسكرياً في سوريا. قرّر (أو قُرّر له) الانخراط في معركة تخوضها ثلاثة أطراف في
مواجهة الثورة السوريّة:
- النظام الأسدي الذي يَعتبر
منذ 43 عاماً أن البلاد تراباً وبشراً ملك عائلي مستعدّ للقتل والقتال حتى فنائها
رفضاً للتخلّي عنها.
- روسيا التي تسعى بواسطة الأسد
للعودة الى الساحة الدولية كقوّة لا يمكن تجاوزها بعد تكاثر نكساتها وبعد سلسلة
مواجهات لم يكن بوسعها المشاركة فيها أو الحيلولة دون وقوعها: حرب العراق الأولى،
حروب يوغوسلافيا السابقة، حرب العراق الثانية، ثم التدخّل العسكري الأطلسي في
ليبيا.
- إيران التي ترى في خسارة
الحليف الأسدي إضعافاً كبيراً لها وضرباً لقوس تحالفاتها العابر في العراق
والمُفضي عبر سوريا الى البحر المتوسّط والى لبنان وحدود إسرائيل حيث قدرة الدفاع
عن برنامجها النووي وعن تضخّم دورها الإقليمي.
وقد شجّع أمران حزبَ الله، كما
راعيته إيران ومعهما روسيا، على الانغماس في القتال. الأوّل، تراجع معظم الدول
الغربية والعربية عن الدعم العسكري النوعي للثورة السورية التي توضح بما لا يقبل
المساومة رغبتها في إنهاء حكم الاستبداد الأسدي بأسرع وقت. والثاني، إطلاق تعبئة
إيديولوجية ضد "الصعود السنّي" في المنطقة بوصفه صعوداً "سلفيّاً
جهاديّاً" يهدّد الشيعة (وسائر الأقلّيات في سوريا ولبنان) ويعدّ إيران عدوّه
الأول وتصل آثار "أضراره" المحتملة الى جمهوريات آسيا الوسطى والقوقاز
حيث تقمع موسكو منذ عقدين حركات استقلالية "سنّية المذهب".
ومن الملاحظ أن توقيت دخول
الحزب الحرب الميدانية وإعلانه على مراحل (بين آب 2012 والأسبوع الفائت) عن قتلاه
فيها يُظهر أنّه يدفع بعناصره كلّ ما اشتدّ الضغط على نظام الأسد وتراجعت قدرة
جيشه على الانتشار بهدف تعويض أيّ خلل محتمل في عمليّة ربط دمشق بحمص بقرى الساحل
المتوسّطي السوري. ويُظهر كذلك أنّه صار يُسقط جميع المحاذير اللبنانية (والسورية)
المذهبية والسياسية الواحد تلو الآخر، مقتحماً ساحة صراع لا يمكن فهم منطقه تعاطياً
معها إلّا باعتبار المثال الإسرائيلي المنافي للديموغرافيا (أو المضاد لقوّة
العدد) مرجعاً له ولإيران فيها. وهذا ما يُملي عليه العيش في "قلعة"
وبعقلية القلعة المُستنفَرة على الدوام والمُستعيدة دورياً سرديات استهداف وجودي ومظلومية
تستعين بها تحريضاً ضد الآخرين...
لكن الحزب الشيعي اللبناني
ورعاته في إيران ليسوا بقلعة. ولا جسراً مباشراً لهم نحو أوروبا والولايات
المتحدّة الأميركية يُنسيهم محيطهم كما هو حال الاسرائيليين...
الحزب اللبناني وخلفه إيران أقلّية
صغيرة تُقامر بمصائر مجتمعات وتُسهم في تعزيز كل احتمالات العنف والتفسّخ فيها، وتستعيد
مع أشباهها في المقلب الآخر (وهم فئة صغرى، حتى الآن على الأقل) قروناً خلت
وصراعات تؤْثِر الماضي على المستقبل والعنف على الحياة.
وهما، قبل ذلك وبعده، يدفعان
لبنان وسوريا الى "تلازم مسارَين" جديد لن تطول قيادتهما لدفّته السورية،
في حين قد تصير تلك اللبنانية ضحيّة من جديد لبعض الأوهام، وللغرور القاتل...
زياد ماجد