تحت شعار "إلا رسول
الله"، تظاهر بين ال7 وال10 آلاف شخص في مصر وليبيا وتونس واليمن والسودان وباكستان
وبانغلادش والعراق وإيران، واحتلّ تخلّفهم وغضبهم شاشات العالم، حاجباً خلال أيام
صور أكثر من 700 قتيل سوري، وأخبار الملايين من الفلسطينيين والعرب والمسلمين ممّن
يكافحون في حياتهم اليومية لكسب قوتهم وتعليم أبنائهم وبناتهم والدفاع عن أملهم
بالكرامة والحرية وبشيء من العدالة
بين ال7 وال10 آلاف شخص قرّروا
الاعتراض على فقرات يُقال إنها من فيلم (وليس من دليل واحد على وجوده)، وهي فقرات
مقزّزة في سخفها وركاكتها، فهاجموا سفارات غربيّة، واقتحم مسلّحون منهم القنصلية
الأميركية في بنغازي وقتلوا من قتلوا، كما اقتحم العشرات مباني البعثات
الديبلوماسية الأميركية في اليمن وتونس والسودان وسرقوا "دفاعاً عن كرامة رسول
الله" عدداً من أجهزة الكمبيوتر وشاشات التلفزة والطابعات والهواتف
والقرطاسية وكل ما عدّوه ثميناً، ثم أضرموا النيران بما تمنّع حمله.
هكذا، "انتصر" هؤلاء للنبيّ
من خلال الحرق والنهب والقتل، وتشبّهوا في همجيّتهم بأشكال الممثلين البُلهاء وهم
يركضون غاضبين في فقرات الفيلم المزعوم وباتوا كأنهم زملاؤهم في التمثيل الرقيع،
ولو مع دم حقيقي هذه المرة ودخان كثيف وغنائم غزوات ملموسة...
كان يمكن للمرء أن يكتفي بهذا
التلخيص لما جرى في الأسبوع الفائت، وفيه الكثير من تكرار صور المظاهرات ضد الكاريكاتور
الدانماركي أواخر العام 2005. وكان يمكن أيضاً القول إن تنفيس الكبت والإحباطات
عند مجموعات من المهمّشين (وبتحريك من قوى ظلامية وأجهزة أمنية) يبحث على الدوام
عن ذرائع، تقدّمها أحياناً بعض مظاهر العنصرية في دول غربية. وكان يمكن كذلك
اعتبار ما جرى تعبيراً غرائزياً عن غضب يتشارك فيه شبّان عاطلون عن العمل لم يُفلح
قسم منهم في الحصول على فيزا من نفس السفارات التي يهاجمونها ويسرقون محتوياتها. إلّا
أن ذلك لا يبدو كافياً هذه المرة. فثمة ما هو سياسياً أبعد منه. إذ هناك ما يشبه
محاولات إطلاق "ثورة مضادة". ثورة ضد ثورات الربيع العربي بما مثّلته
سياسياً من استعادةٍ للعلاقة بالزمان والمكان وعبرهما بتداول السلطة انتخابياً
وبحقّ التظاهر والاعتراض السلمي في الساحات العامة من جهة، وبما عبّرت عنه ثقافياً
داخل العالم العربي وخارجه من توق ملايين المواطنين للعودة الى السياسة بوصفها
حياة يومية وحقوقاً واحترام كرامات لا فوارق بين الأجناس في ما خصّها من جهة
ثانية.
بهذا المعنى، أرادت الثورة المضادة القول بقطيعة بين العرب/المسلمين وسواهم من شعوب المعمورة، وعلى نحو مشهدي عنيف، للتأكيد على اختلاف إنساني وقيمي ليس القتل والضرب "في سبيل كرامة النبي" إلا أحد أوجهه. ولم يتأخّر من تسُرُّه هكذا أمور من العنصريين وأنصار الاستبداد (غرباً وشرقاً) في تلقّف الفرصة والترويج لها: "مذ طار القمع، انفلت الأصوليون وانطلق عنفهم ".
لكن لحسن الحظ أن "الثورة
المضادة" ظلّت (وتظلّ الى الآن) هزيلة رغم كثافة صوَرها وبشاعتها. ولحسن الحظ
أيضاً أن الأصوات الفردية والجماعية المرتفعة في وجهها كثيرة هذه المرة وتزداد
كثرةً، ولا يبدو أنها ستسمح لها ولمُريديها بالمزيد من "المكاسب"...
زياد ماجد