بعد أربع وعشرين ساعة على انتهاء الدورة الانتخابية
الرئاسية الأولى في فرنسا، يمكن تسجيل الملاحظات التالية.
- حصل اليسار الفرنسي بتياراته المختلفة على أعلى نسبة تصويت له في
دورة رئاسية أولى منذ العام 1988، إذ بلغت 43 في المئة من الناخبين (لم تتخطّ
النسبة إياها ال35 في المئة عامي 2002 و2007 مثلاً).
- حصل نيقولا ساركوزي على نسبة تصويت منخفضة لرئيس يسعى
الى التجديد إذ لم يسجّل أكثر من 27 في المئة من الأصوات، وهو أول رئيس منذ العام
1958 (أي منذ قيام الجمهورية الخامسة) يرشّح نفسه لولاية ثانية ولا يتقدّم
المرشّحين جميعهم في الدورة الأولى.
- لم يُحرز اليمين المتطرّف بقيادة ماري لوبان (18 في
المئة من الأصوات) تقدمّاً عمّا حقّقه عام 2002 (لأنه كان بجناحَين يومها، لا بل
هو تراجع بنسبة 1 في المئة). لكنه استفاد هذه المرة من سياسات حكم ساركوزي
وأدبيّاته خلال السنوات الخمس الماضية (وفيها الكثير من الأدبيات التاريخية للوبان
الأب وحزبه، خاصة في مسائل الهجرة والأمن والاندماج الاجتماعي) ليستعيد بعض
المواقع التي خسرها عام 2007، بعد أن ذهب جزء من جمهوره الى ساركوزي نفسه.
- يتشكّل القسم الأكبر من ناخبي اليمين المتطرّف من
الريفيين الكاثوليك المتديّنين والمحافظين (ضد زواج المثليين والإجهاض مثلاً) ومن
المزارعين الذين يعدّون الاتحاد الأوروبي خطراً عليهم وعلى منتجاتهم (الأغلى من
منافِساتها)، ومن الطبقة العاملة في شمال البلاد التي كانت في يوم من الايام قاعدة
شيوعية قبل أن "تقتنع" بربط البطالة وتراجع أوضاعها بوفود العمالة
الأجنبية، ومن المحبَطين من النخبة السياسية الحاكمة أو المتناوبة على الحكم المحمّلين
الجميع (يميناً ويساراً) مسؤولية ما يعدّونه تراجعاً للأوضاع المعيشية. ويضاف الى
هؤلاء عنصريون يخشون الأجانب "السُمر" (رغم أنهم يعيشون غالباً في مناطق
لا أجانب كثراً فيها!)، وأثرياء من المتقاعدين المقيمين في جنوب شرق البلاد. بهذا المعنى،
فإن قلّة من المنضوين في حزب لوبان هم فعلاً يمينيون متطرّفون اقتصادياً. تطرّفهم
هو قيميّ اجتماعي وثقافي (وعنصري)، ويعكس كراهية للطبقة السياسية، وأزمة في "العلاقة
بالآخر" يعيشها قطاع من الأوروبيين تماماً كما يعيشها بعض المهاجرين.
- يملك المرشّح الاشتراكي فرنسوا هولاند (28,6 في المئة)
مخزون أصوات للدورة الثانية والحاسمة أكبر من مخزون ساركوزي. فهو سيحصل بحسب
استطلاعات الرأي الجديدة ووفق التحالفات السياسية المعلنة على أصوات الخضر (حوالي
2 في المئة) ومعظم أصوات ميلانشون (حوالي 11 في المئة) إضافة الى ثلث أصوات الوسط
(حوالي 9 في المئة) وأكثر من عُشر أصوات اليمين المتطرّف، أي ما سيقارب مجموعاً
تجييرياً حجمه 18 في المئة. أما ساركوزي فسيحصل على حوالي 60 في المئة من أصوات
اليمين المتطرّف وثلث أصوات الوسط، أي حوالي 14 في المئة من الأصوات الإضافية.
وسيحجب وسطيّون ولوبانيّون أصواتهم عن المرشّحَين.
- يمتنع أكثر التروتسكيّين (بجناحيهم 2 في المئة) عن
التصويت عادة في الدورة الثانية، وينقسم المتردّدون أو مناصرو المرشّحين
"الصغار" (حوالي 2 في المئة أيضاً) بين المعسكرَين.
وكل هذا يعني أنه إن لم تحصل مفاجآت كبرى (كأن تتخطّى
نسبة التصويت ال90 في المئة بعد أن بلغت 80 في المئة في الدورة الأولى، وأن تكون
أكثرية راجحة بين المشاركين الجدد لصالح ساركوزي)، فإن اليسار يتقدّم اليمين بعدد
من النقاط يصعب في ظروف عادية تعويضها، وعليه الآن أن "يركلج" خطابه على نحو يضمن التجيير
الانتخابي الواسع من الوسط ومن أقصى اليسار. وهذا يتطلّب توازناً خاصاً بين
الاقتصاد والمسائل الاجتماعية.
يبقى أن النقاش الانتخابي
الفرنسي محصور لغاية اليوم في قضايا داخلية وأوروبية، وأن الشأن الدولي (بما فيه
العربي) ثانوي جداً. وحين سيُفتح في الأيام المقبلة، سيتبيّن أن الفروق فيه ضئيلة.
فوزير الخارجية السابق ومستشار هولاند اليوم أوبير فيدرين أعلن هذا العام تأييد
وزير خارجية ساركوزي آلان جوبيه في مواقفه، لا سيّما في الشأن السوري. كما أن
الموقف من القضية الفلسطينية لم يعد مسألة اختلاف كبير بين القوى الفرنسية
الرئيسية. والعلاقة مع واشنطن محكومة باتفاقية تعاون وبسياسات حلف شمال الاطلسي،
وهي بالتالي أيضاً لن تتبدّل. أما لبنان، فغير موجود راهناً على خريطة الأولويات
السياسية الفرنسية، إلا بوصفه متأثّراً "بملفّي" إيران وسوريا (وربطاً
بهما، بالمحكمة الدولية)...
زياد ماجد