Wednesday, February 6, 2019

التطبيع العربي المرتبك مع نظام الأسد: ثورة مضادة وخشية من العقوبات الغربية


ملخّص تنفيذي

بعد أيام من زيارة الرئيس السوداني عمر البشير (المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب) الى نظيره السوري في دمشق في 16 ديسمبر 2018، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة إعادة فتح سفارتها في سوريا. سبق ذلك لقاء بين وزيري الخارجية السوري والبحريني في أواخر سبتمبر على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتّحدة في نيويورك، وتبعه نقاش حامٍ في لبنان في يناير 2019 حول دعوة الرئيس السوري الى القمة العربية الاقتصادية في بيروت. وانتهى الأمر بعدم توجيه الدعوة الى اجتماع لم يحضره في أي حال معظم الرؤساء والملوك العرب لأسباب عديدة، من ضمنها صراعات نفوذ إقليمي وتجنّب إحراجات دبلوماسية دولية ومقاطعة البعض لحزب الله.

على أن الحراك العربي المحدود هذا، قابلته مواقف أميركية وأوروبية أظهرت تحفّظاً عليه ومواصلة لسياسة العقوبات على المسؤولين السوريين. والأرجح أنّ في ذلك ما لجمه. فواشنطن طلبت من الرياض والقاهرة تأجيل البتّ بعودة دمشق الى الجامعة العربية، وأقرّ مجلس نوابها "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا". والاتحاد الأوروبي أضاف أسماء سورية جديدة الى لائحة العقوبات، من بينها رجال أعمال رُوّج لهم لفترة كواجهة لمشاريع التطبيع الاقتصادي و"إعادة الإعمار". ورغم المحاولات الروسية الحثيثة لتعويم نظام الأسد إقليمياً ودولياً وطيّ صفحة البحث في توصيات المسار التفاوضي في جنيف الداعية الى "انتقال سياسي" وقرار الأمم المتحدة 2254 المؤكّد على ضرورة "الحل الشامل" وتشكيل "حكومة إنتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية"، ما زالت عزلة دمشق والعقوبات المتزايدة عليها عائقاً أمام الوصول الى التسويات المنشودة في موسكو.

بموازاة ذلك، تصاعد التوتّر في شمال سوريا وشرقها نتيجة تمدّد "هيئة تحرير الشام" في إدلب من جهة، ونتيجة السجالات والتهديدات والحشود العسكرية التي تلت إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب القوات الأميركية من المنطقة من جهة ثانية. كما استأنفت إسرائيل عملياتها العسكرية ضد القواعد الإيرانية في جنوب سوريا ووسطها، وقصفت على دفعات مجموعة مواقع في محيط العاصمة دمشق وداخل مطارها الدولي، وبدا الأمر منسّقاً مع الروس والأميركيين على حدّ سواء.

تظهر هذه التطوّرات أن سوريا مقبلة مرّة جديدة على مرحلة صراعات وتجاذبات ما زالت معالمها طور التبلور، ويصعب التكهّن بكامل تداعياتها، خاصة أن التفاوض عليها قد تؤثّر عليه إجراءات قانونية إضافية في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية خاصة بالجرائم المرتكبة وبالمسؤولين من نظام الأسد عنها.



 مقدمة


تحت ضغط الثورات العربية المنطلقة من تونس ومصر ثم اليمن وليبيا والبحرين، والبالغة أخيراً سوريا، وفي ظل تغطية إعلامية واسعة لهذه الثورات واهتمام دولي فيها طيلة العامين 2011 و2012، اضطرت جامعة الدول العربية الى تعليق عضوية سوريا، واستدعت العواصم العربية – كما نظيراتها الغربية - سفراءها من دمشق بعد اعتماد الأخيرة الحلّ العسكري ضد معارضيها، وارتكابها مجازر بحق المدنيّين أطاحت بالآلاف منهم خلال أشهر معدودة.

رغم ذلك، حافظت دول عربية عدّة على صلاتها بنظام دمشق أو هي تمنّعت عن التصويت ضدّه في اجتماعات دولية (الجزائر والسودان)، في حين انقسم الاجتماع السياسي في دول أخرى تجاه المسألة السورية وانعكس الأمر على مقاربات حكوماتها للمسألة هذه (لبنان والعراق).

غير أن تطوّرين هامّين بدّلا من المناخ العربي الحكومي ابتداءً من أبريل 2013. الأوّل، ظهور تنظيم "الدولة الإسلامية" وبدء صعوده؛ والثاني، تمنّع الرئيس الأميركي باراك أوباما في سبتمبر من العام نفسه عن معاقبة النظام السوري على تخطّيه الخطّ الأحمر الوحيد الموضوع له، وهو استخدام السلاح الكيماوي. وقد كرّس أمر التراجع الأميركي قناعةً لدى معظم القادة العرب (والدوليّين) بأن لا رغبة أميركية فعلية في إسقاط الأسد. رافق ذلك انقلاب عسكري في مصر في يوليو أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي وأوصل وزير الدفاع عبد الفتّاح السيسي الى السلطة. ورافق الأمر أيضاً وتبعه انفجار الأوضاع الأمنية والعسكرية على نطاق واسع في ليبيا، وعودة سياسيّين من النظام القديم الى السلطة انتخاباً في تونس، وتراجع حظوظ الوصول الى حلول للأزمة اليمنية الناشبة بعد إسقاط الرئيس علي عبد الله صالح. وبدا أن محوراً إقليمياً بقيادة السعودية والإمارات يسعى الى إنهاء تبعات الثورات العربية في الدول المعنية، ويتعامل مع سوريا بوصفها أرض صراع مع إيران لا أكثر. وفي العام 2015، جاء التدخّل العسكري الروسي إنقاذاً لنظام الأسد المترنّح (رغم غياب الدعم الأميركي الجدّي لمعارضيه) ليبعث رسالة إضافية بأن لا تغيير للنظام في دمشق، وليُنهي الاهتمام السعودي بسوريا مؤقّتاً وينقله الى اليمن حيث تسارعت الأمور بعد سيطرة الحوثيّين المدعومين إيرانياً على معظم البلاد، فتدخّلت السعودية والإمارات عسكرياً ضدّهم. وفي الوقت نفسه، انكفأت قطر عن الملف السوري، مفوّضة حليفتها تركيا التعامل معه، وصارت الدول الأربع ذات الثقل في سوريا هي إيران وروسيا الداعمتين للنظام، والولايات المتحدة الأميركية الداعمة للقوى الكردية في الحرب ضد "الدولة الإسلامية" وتركيا الداعمة لبعض فصائل المعارضة المسلّحة.


روسيا وانتخاب ترامب والسعي الى التطبيع مع الأسد

مع تراجع الاهتمام الدولي بسوريا، ودخول دونالد ترامب الى البيت الأبيض في يناير 2017، وتمكّن روسيا وإيران وتركيا عبر مسار "آستانة" من وضع تفاهمات عدّلت من موازين القوى وجزّأت الخارطة السورية وفق مناطق نفوذ مختلفة، بدا أن القبول دولياً بالأمر الواقع يفرض نفسه تدريجياً في الكثير من العواصم العربية والغربية. فالأردن أعاد جزئياً فتح حدوده مع سوريا بعد سقوط درعا في قبضة جيش النظام وحلفائه في أكتوبر 2018، ورئيس السودان عمر البشير (المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بموجب مذكرة توقيف لدوره في الجرائم المُرتكبة في دارفور) حطّ في ديسمبر من العام نفسه في مطار دمشق والتقى الأسد، والقاهرة استقبلت بعد أيام اللواء علي مملوك رئيس مكتب الأمن القومي السوري المتّهم بجرائم حرب[1]. كما انتهت في الوقت عينه ولاية المبعوث الخاص للأمم المتّحدة الى سوريا ستافان دي مستورا بفشل ذريع، لتعلن الإمارات إعادة فتح سفارتها في دمشق وتبدو البحرين[2] متّجهة بدورها لذلك (ومثلهما إيطاليا والبرازيل دولياً) ويرتبك لبنان الرسمي تجاه دعوة الأسد الى القمة الاقتصادية العربية في بيروت المزمع انعقادها مطلع العام 2019.

هكذا بدا أن التطبيع التدريجي مع نظام الأسد يتقدّم في المنطقة. وكان قد سبقه ثم رافقه هجوم ديبلوماسي روسي تجاه أوروبا مطالباً إياها بتطبيع إقتصادي مع دمشق تحت عنوان "إعادة إعمار سوريا كي يرجع اللاجئون إليها". وأثار الرئيس فلاديمير بوتين الأمر مباشرة مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية إنغيلا ميركل في قمّة إسطنبول التي جمعتهم بضيافة الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان في أكتوبر 2018، ثم أثاره المسؤولون الروس من جديد في لقاءات ثنائية مع نظرائهم الأوروبيّين من دون نجاح يُذكر حتى اللحظة نتيجة تحفّظ برلين وباريس (ومثلهما لندن) على أي تمويل لإعمار قبل حلّ سياسي مبنيّ على قرارات الأمم المتّحدة، لا سيّما القرار 2254 الداعي الى وقف نار شامل وتشكيل حكومة إنتقالية وإجراء انتخابات عامة بإشراف أممي والتوصّل الى حل يضمن عودة آمنة للاجئين.

تبريرات المطبّعين العرب والالتباسات الأميركية

لم تقدّم دولة الإمارات العربية المتّحدة، بوصفها أوّل دولة تُعيد فتح سفارتها رسمياً في سوريا (في 27 ديسمبر 2018) بعد أن أغلقتها (أواخر العام 2011)، أي تبرير لأسباب استعادة العلاقات الديبلوماسية. وإذا كانت أبو ظبي قد آثرت إيكال مهام إدارة السفارة الى القائم بالإعمال ولم ترسل سفيراً بعد، فهي اكتفت بالقول إنها "تُعيد العلاقة مع دولة شقيقة الى مسارها الطبيعي"[3]. ولَولا بعض التصريحات والإجراءات الأوروبية والأميركية التي قد تلجم العديد من الدول العازمة على التطبيع، لكان من غير المستبعد أن تلحق بالإمارات في خطوتها دول أًخرى.

لكن قبل الخوض في ذلك، يفيد التوقّف عند المقولات التي روّج لها داعمو التطبيع لتبرير الدعوة الى العودة الى دمشق. فالتبرير الأول ادّعى أن على الخليجيين عدم تكرار الخطأ العراقي بعد العام 2003، تاريخ إسقاط الأميركيين لصدّام حسين، ثم بعد العام 2011، تاريخ سحب الرئيس أوباما لقوات بلاده، حين تُركت الساحة لإيران على مرحلتين، فسيطرت على العراق ولم تقُم بمواجهتها سوى جماعات "متطرّفة" يصعب تبنّيها ودعمها. على الدول الخليجية بالتالي أن تحضر الى سوريا مع اقتراب الحرب فيها من نهايتها وألا تتركها في حلف إقليمي تسيطر عليه طهران. التبرير الثاني يبني على الأول، لكنّه يضم الى إيران تركيا، بوصفهما القوّتين الإقليميّتين الوحيدتين المتواجدتين راهناً على الأرض السورية. وأبو ظبي - كما الرياض - تنظر بعين الريبة الى أنقرة، حليفة الدوحة التي تخاصمها وتفرض عليها الحصار، وترى فيها راعيةً لحركة الأخوان المسلمين التي تصنّفها إرهابية وتشنّ عليها الحرب مباشرة وبالواسطة، من ليبيا الى مصر فاليمن. وهي فوق ذلك، تتضامن مع الرياض في مواجهتها منذ التوتّر بين العاصمتين الذي تلا قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول وما تبعه من اتّهامات لوليّ العهد السعودي محمد بن سلمان بالمسؤولية عن الجريمة. والتبرير الثالث أن لدول الخليج مصلحة، بعد أن أنقذت روسيا نظام الأسد، في التعامل مع الأمر الواقع والتأثير عليه من البوابة الاقتصادية حيث لا يمكن لإيران ولا حتّى لروسيا مجاراتها. وهذا كلّه دفع أولاها، الإمارات، للعودة الى سوريا.

تبدو المبرّرات المذكورة بعيدة عن الواقع، ولَو أن أصحابها مقتنعون ببعضها[4]. فروسيا وإيران وتركيا لن تترك سوريا بسهولة أو تقبل بدخول أطراف أضعف منها سياسياً، وبلا حضور عسكري، لتُملي شروطاً أو تمارس ضغوطاً أو حتى تبحث عن ندّية في التعامل السياسي انطلاقاً من إنفاقها أموالاً على إعادة إعمار طويلة الأمد وغير مضمونة النتائج. وإيران تحديداً، لن تتخلّى عن أي احتمال للاستفادة اقتصادياً من سوريا، والأخيرة مديونة لها بمليارات الدولارات، في لحظة يتراجع فيه اقتصادها وتتهاوى عملتها بسبب العقوبات الأميركية التي تتعرّض لها وسوء التدبير الاقتصادي لدى مسؤوليها. وهي بالتالي لن تترك إعادة الإعمار المزعومة تتقدّم أن لم تضمن عقوداً وشروطاً تفاضلية لصالحها وعدها النظام السوري بأولوية الحصول عليها[5]. كما أن روسيا تريد بدورها تحكّماً بمفاصل اقتصاد دولة وقّعت معها اتفاقات وعقوداً تتيح لها السيطرة عليها لفترة طويلة مقبلة، وهي لا تريد مشروطية سياسية في الإنفاق على مشاريع الإعمار، بل تبحث عن أموال لا تملك أن توفّر مثلها بنفسها...

وفي أي حال، لم يتسارع التطبيع مع النظام السوري بعد العودة الإماراتية، وما زالت خطوة أبو ظبي معزولة الى الآن. وقد أكّد فشل القمة العربية الاقتصادية في بيروت في يناير 2019 التي أراد حزب الله دعوة الأسد إليها تمهيداً لتحريك البحث في إعادة سوريا الى جامعة الدول العربية أن لا تطبيع سهلاً مع نظام دمشق بسبب خشية الأطراف العربية من ردود الفعل الأميركية (والغربية) عليه[6]. وللخشية هذه سببان: العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية على سوريا وعلى عدد كبير من المسؤولين ورجال الأعمال والأمنيين فيها، والأهمّ، على كلّ من يتعاون معهم؛ وانعدام القدرة على قراءة مسار الأمور سياسياً في ظل التباسات المواقف الأميركية الداعية الى مواجهة إيران والمصعّدة اقتصادياً ضدّها، والمعلنة في نفس الوقت انسحاباً عسكرياً من سوريا قد يتسبّب بإطلاق ديناميّات وصراعات لم تتضّح كامل معالمها بعد، لا سيّما في شمال البلاد.


سوريا إذ تدخل مرحلة جديدة

يحيلنا ما ورد الى بحث سريع في عدد من التطورات السياسية والقانونية والميدانية التي حصلت في سوريا أو ارتباطاً بها في الأشهر الماضية. فميدانياً، وسّعت "هيئة تحرير الشام" سيطرتها مطلع العام 2019 على محافظة إدلب وأسقطت معظم الفصائل المتواجدة سابقاً فيها. كما سيطرت على الطرقات الاستراتيجية التي ورد ذكرها في الاتفاق الروسي التركي في سوتشي والتي جرى التعهّد بفتحها. ولم يصدر عن أنقرة أي ردّ ميداني على الأمر، بما فُسّر قبولاً بواقع مستجدّ ومحاولة لاحتوائه أو تسهيلاً له لاستغلاله لاحقاً[7]. سبق ذلك في ديسمبر 2018 إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عزمه على سحب قواته من شمال شرق سوريا. وأدّى الإعلان المفاجئ الى ردود أفعال تركية وكردية وروسية وأوروبية متباينة. فتركيا اعتبرت أن الأمر يفتح الطريق أمامها لإبعاد "وحدات حماية الشعب" الكردية عن حدودها وتوسيع نفوذها شرق الفرات على طول الحدود الدولية. والقوى الكردية تحرّكت على أكثر من جبهة لتجنّب هكذا سيناريو طالبة من الأميركيين ضمانات ومن الأوروبيين حماية ومن روسيا والنظام تعاوناً محتملاً لصدّ أنقرة. من جهتهم، بادر الفرنسيون والبريطانيون الى البحث عن مخارج كمثل تعاونهم مع تركيا ومع القوى الكردية لتجنّب كل صدام وأخذ ضمانات من أنقرة في حال تقدّم قواتها الى الشمال الشرقي بعدم دخولها الى المدن ذات الكثافة السكانية الكردية (كوباني وعامودا والقامشلي). وبرز كذلك حديث عن منطقة آمنة بعمق 32 كيلومتراً، ثم اختلف الأطراف المعنيون حول هوية ضامنيها والمنتشرين فيها. وغرّد الرئيس الأميركي وسط كلّ ذلك تغريدات متناقضة هدّد واحدها "بتقويض الاقتصاد التركي إن فكّرت أنقرة بمهاجمة الأكراد" في حين ركّزت تغريدات واتصالات أُخرى على التعاون مع الأتراك والتفاهم معهم على معظم الملفّات. من جهتها، دعت موسكو الى انتشار قوات النظام السوري في المناطق التي يستعدّ الأميركيون لإخلائها، ولو أنها شكّكت بجدّية الإعلان الأميركي عن الانسحاب.

ولم تسفر جولة وزير الخارجية مايك بامبيو على مصر ودول الخليج في منتصف يناير 2019 بعد أيام من زيارة مستشار الأمن القومي جون بولتون لإسرائيل وتركيا عن نتائج واضحة لجهة تحديد الجدول الزمني للانسحاب الأميركي من سوريا أو لجهة الاتصالات المرافقة له في ما خصّ أدوار القوى الساعية الى الاستفادة منه. في المقابل، جرى التشديد على استمرار الضغط على إيران لإخراجها من سوريا وعزلها.

ويمكن ربط عودة التصعيد الإسرائيلي-الإيراني واستئناف تل أبيب ضرباتها للقواعد الإيرانية في دمشق ومطارها في الأسبوع الثالث من شهر يناير 2019 بالزيارات المذكورة، وتوقيت الأمر أيضاً بُعيد اجتماعات عسكرية إسرائيلية روسية عُقدت في 16 و17 من الشهر إياه[8].


تفيد الإشارة ختاماً الى أن الاتحاد الأوروبي أضاف مجموعة أمنيين وعسكريين ورجال أعمال سوريين الى لائحة العقوبات التي يفرضها على المتّهمين بالمشاركة المباشرة أو غير المباشرة بالجرائم ضد المدنيّين في سوريا. وقد ضمّت الأسماء شخصيات كان النظام ومن خلفه موسكو يُعوّلان عليها كواجهات لمشاريع إعمارية مقترحة[9]. وتلا الإجراء الأوروبي في 21 يناير 2019 – الذي يأتي بعد صدور أكثر من مذكّرة توقيف دولية من قبل القضاءين الألماني والفرنسي بحقّ مسؤولين سوريين[10] - إجراء أميركي تمثّل في إقرار مجلس النواب ولجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ في 22 يناير لـ"قانون قيصر لحماية المدنيّين السوريين"[11] الهادف الى مقاضاة ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم في سوريا وداعميهم أفراداً وكيانات. ومن شأن العقوبات الأوروبية الجديدة هذه، والقانون الأميركي الذي ينتظر موافقة مجلس الشيوخ وتوقيع الرئيس ليدخل حيّز التنفيذ، أن تجعل التطبيع مع نظام الأسد والانخراط في أنشطة اقتصادية في سوريا مجازفة تزيد من تعريض أصحابها لعقوبات وملاحقات على مستويات مختلفة.

بهذا، يُستهل العام 2019 بمرحلة جديدة في سوريا، ستوضح مفاوضات الأسابيع المقبلة وصداماتها الكثير من ملامحها.

زياد ماجد
ورقة منشورة في مركز الجزيرة للدراسات


[1]  يُذكر في هذا الصدد أن علي مملوك زار إيطاليا قبل مدّة. وأدّى الأمر الى احتجاجات من قبل منظمّات حقوق إنسان ومسؤولين أوروبيّين إذ أن اسم مملوك وارد على قائمة العقوبات الأوروبية ضد مسؤولي النظام السوري المتورّطين في جرائم الحرب. وبرّرت وزارة الداخلية الايطالية أمر استقباله بأنه لتبادل معلومات حسّاسة حول "الإرهاب".
[2]  عقد وزيرا الخارجية السوري والبحريني لقاء سريعاً وودّياً (كما وصفاه) على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في 29 سبتمبر 2018. وذكر الوزير البحريني بعد ذلك أن "سوريا بلد عربي رئيسي" وأن العلاقات لم تنقطع معها "رغم الظروف الصعبة".
[3]  يُفيد التذكير في هذا الصدد أن الإمارات استقبلت منذ العام 2012 السيدة بشرى الأسد شقيقة الرئيس السوري وعائلتها. كما أنها استقبلت رجال أعمال سوريين محسوبين على النظام، ومن المرجّح أنها حافظت من خلالهم على تواصل مع دمشق.
[4] يعتبر هؤلاء أن العودة الى سوريا والتطبيع مع الأسد والمشاركة في "إعادة الإعمار" هي عناصر خريطة طريق تهدف مع الوقت الى دفع النظام في دمشق للابتعاد عن طهران من ناحية، وتحول دون احتمالات عودة قطرية من البوّابة التركية من ناحية ثانية. وأن تحقّق لهم ذلك، يكونوا قد نجحوا في مقاربة سورية – إقليمية يمكن أن تقنع واشنطن وموسكو سويّاً بالاتكال عليهم في ملفّات إضافية.
[5] في هذا المجال، صرّح وزير الاقتصاد السوري محمد سامر الخليل خلال زيارته لطهران في 29 ديسمبر 2018 أن "الأولوية في إعادة إعمار سوريا ستكون للشركات الإيرانية".
[6] من اللافت في هذا الإطار ما صرّح به وزير خارجية مصر سامح شكري في 9 يناير 2019 من أن عودة سوريا الى الجامعة العربية تتطلّب "اتخاذ دمشق إجراءات وفق قرار مجلس الأمن 2254". ففي التصريح المذكور صدى للمواقف الدولية تناقض ما رشح لفترة عن استعدادات سريعة لإعادة سوريا الى الجامعة.
[7] اعتبر مراقبون أن عدم دفع تركيا بالقوى السورية الرئيسية الموالية لها الى المعركة مع "تحرير الشام" في إدلب كان غضّ نظر عن توسّع سيطرة الأخيرة الذي يتيح تواصلاً معها لضمان استقرار الطرقات الرئيسية في المحافظة تمهيداً لفتحها عملاً باتفاق سوتشي مع موسكو، وتوظيف العلاقة بها لتصفية جماعات منشقة عنها ومعلنة ولاءً علنياً لتنظيم "القاعدة" (مثل "حراس الدين"). ويمكن الذهاب أيضاً الى تأويل آخر مفاده أن الأولوية التركية الراهنة هي شرق الفرات والمناطق الحدودية التي تشمل شمال إدلب وليس كامل المحافظة، وأن أنقرة جاهزة من أجل السيطرة على المناطق المتاخمة لحدودها على امتداد الخارطة حتى القامشلي فحدود العراق للتضحية بجزء من إدلب إن قرّرت موسكو مهاجمة "تحرير الشام"، علماً أنها تدرك صعوبة الأمر على الروس، ويمكن أن تفاوض معهم حلولاً وسطى عدّة.
[8]  يبرز أيضاً في ما خصّ روسيا عدم تشغيلها خلال الضربات الإسرائيلية الأخيرة لنظام الدفاعات الجوية أس-300 الذي تقول إنها سلّمته لدمشق، والذي هدّدت باستخدامه بعد حادثة إسقاط طائرتها عن طريق الخطأ في سبتمبر الفائت نتيجة تشويش إسرائيلي على الرادارات السورية خلال غارات لم تبلّغ موسكو يومها بها.
[9]  يُذكر من بين هؤلاء رجل الأعمال سامر الفوز الذي كان يجول في أوروبا ودول عربية قبل أشهر، وذُكر أنه الأقرب الى آل الأسد، وقدّمه النظام كأحد أبرز وجوه إعادة الأعمار من خلال مشروع "ماروتا سيتي" في دمشق.
[10]  أصدر القضاء الألماني في شهر يونيو 2018 مذكرة توقيف بحق جميل حسن مدير فرع المخابرات الجوية في سوريا. تبع ذلك إصدار القضاء الفرنسي مذكّرة مشابهة بحق حسن وبحق اللواء علي مملوك (رئيس مكتب الأمن القومي) واللواء عبد السلام محمود (رئيس فرع التحقيق في المخابرات الجوية). ويستعد القضاءان الهولندي والنمساوي للنظر أيضاً في دعاوى مقامة ضد مسؤولين سوريين، في حين يعمل محامون في دول غربية أخرى لرفع قضايا جديدة.
[11]  يتّخذ هذا القانون من "قيصر" اسماً له. وقيصر هو المصوّر العسكري المنشق عن نظام الأسد الذي هرّب أكثر من أربعين ألف صورة لآلاف جثث المعتقلين في السجون السورية المقتولين تحت التعذيب أو التجويع.